الفصل الثاني
أبرز الأحداث السياسية في الدولة العباسية
حتى دخول البويهيين بغداد
إن الناظر في تاريخ الدولة العباسية منذ قيامها وحتى سقوطها يجده مشحونا بأحداث جسام يحتاج درسها واستيعابها مجلدات تند عن الحصر.
لذلك آثرنا أن نجتزئ في هذا الفصل ببعض هذه الأحداث التي نرى أنها تهب القارئ الكريم تصورا عامّا عن الدولة العباسية من الناحية السياسية.
القضاء على الأمويين واستئصال شأفتهم :
لم يكد لواء الخلافة يتحول إلى أبي العباس السفاح حتى عمد إلى الانتقام من بني أمية جزاء ابتزازهم الخلافة ، واستئثارهم بها دون أهلها من آل البيت ، وعقابا لهم على إيذاء العلويين والعباسيين جميعا.
وذهب نفر من المؤرخين إلى أن سياسة العباسيين تلك إن هي إلا امتداد للعداء المستحكمة حلقاته بين بني أمية وبني هاشم منذ الجاهلية ، وهو عداء لم تنجح مبادئ الإسلام في العدل والإخاء والمساواة في استئصال جذوره من النفوس والضمائر ، بل لعل الإسلام زاده شدة وضراوة ؛ نظرا لما كان بينهما من منافسة قوية على الظفر بمنصب الخلافة (١).
ومهما يكن من أمر فقد بالغ أبو العباس السفاح في التنكيل ببني أمية وافتن في إنزال ألوان الأذى وضروب القتل بهم ، فقتل عبد الله بن علي عم السفاح ثلاثمائة من بني أمية منهم : إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ، ويزيد بن عبد الملك ، وعبد الجبار بن يزيد ابن عبد الملك ، ومروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.
وروي عن أبي العباس السفاح أنه لما أتي برأس مروان بن محمد ووضع بين يديه ، سجد فأطال السجود ، ثم رفع رأسه فقال : الحمد لله الذي لم يبق ثأري قبلك وقبل رهطك ، الحمد لله الذي أظفرني بك وأظهرني عليك ، ثم قال : ما أبالي متى طرقني الموت ؛ فقد قتلت بالحسين وبني أبيه من بني أمية مائتين ، وأحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي ، وقتلت مروان بأخي إبراهيم ، وتمثل بقول الشاعر :
__________________
(١) حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام (٢ / ٨٤).