قال بالموافاة ، وكل من وافى ربه على الإيمان فهو المؤمن ، ومن وافى بغير الإيمان الذي أظهره في الدنيا علم في عاقبته أنه لم يكن قط مؤمنا ، والواحد من هؤلاء يقول : أعلم أن إيماني حق وضده باطل ، وإن وافيت ربي عليه كنت مؤمنا حقّا ، فيستثني في صحة إيمانه (١).
وبذلك يظهر أن محل الخلاف هو أن الماتريدية لا يجيزون الاستثناء في الإيمان ، بينما الأشعرية يجيزون ذلك.
المسألة الخامسة : إيمان المقلد
وقع اختلاف بين السادة الماتريدية والسادة الأشاعرة في صحة إيمان المقلد ، وكذلك صحة تسميته مؤمنا ، وهل يكتفي بالتقليد في العقائد الدينية أم لا؟
فالماتريدية :
يذهبون إلى القول بصحة إيمان المقلد ؛ لأن مع هذا الإيمان تصديقا ، والتصديق هو أصل الإيمان ، وعند الماتريدية يصح الاكتفاء بالتقليد في العقائد الدينية ، إلا أن المقلد يعد عاصيا بتركه للنظر إذا كان قادرا على ذلك ؛ ولذلك قيل : إن النظر واجب وجوب الفروع ، وليس وجوب الأصول ، وإلا كان هذا المقلد كافرا.
يقول أبو منصور الماتريدي :
«ليس الشرط أن يعرف كل المسائل بالدليل العقلي ، ولكن إذا بنى اعتقاده على قول الرسول ، بعد معرفته بدلالة المعجزة أنه صادق فهذا القدر كاف لصحة إيمانه» (٢).
أما الأشاعرة :
فإنهم يقولون بأنه لا يكتفى بالتقليد في العقائد الدينية ، ولكن لا بد من الاعتقاد الجازم الناشئ عن دليل ؛ لأن الإيمان من المسائل الأصولية ، وهذه قليلة يمكن الإحاطة بها ، وتكفي فيها المعرفة على الإجمال ، ولا يشترط عندهم القدرة على التعبير عن ذلك ؛ لأننا مأمورون بأن نتبع الرسول صلىاللهعليهوسلم والرسول ـ عليهالسلام ـ مأمور بتحصيل العلم بتلك الأصول ، والتصديق لا يوجد بدون العلم والمعرفة ، والمقلد لا علم له حتى يحصل عنده التصديق ، فإن لم يحصل هذا التصديق عنده فلا يحصل الإيمان.
__________________
(١) انظر : أصول الدين للبغدادي (ص ٢٥٣) ، وانظر كذلك الروضة البهية (ص ٦٠) وما بعدها.
(٢) أبو منصور الماتريدي وآراؤه الكلامية (ص ٣٨٧).