ويذهب الأشاعرة إلى أن المقلد عاص بتركه النظر والاستدلال ، ولكنه ليس مشركا أو كافرا ، ويجوز أن الله تعالى يغفر له ، فإذا عوقب على المعصية دخل الجنة.
يقول البغدادي :
إن معتقد الحق قد خرج باعتقاده عن الكفر ؛ لأن الكفر واعتقاد الحق في التوحيد والنبوات ضدان لا يجتمعان ، غير أنه لا يستحق اسم المؤمن إلا إذا عرف الحق في حدوث العالم وتوحيد صانعه ، وفي صحة النبوة ببعض أدلته سواء أحسن صاحبها العبارة عن الدلالة أو لم يحسنها» (١).
والمتأمل للمسألة يرى أن الماتريدية والأشعرية يتفقان على أن المقلد قد خرج بتقليده عن الكفر والشرك ، لكنهما يختلفان في تسمية المقلد مؤمنا أو لا ، فالماتريدية يسمونه مؤمنا ، بينما يمنع الأشعرية ذلك (٢).
المسألة السادسة : الكسب
الكسب : هو ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ ، وقد يستعمل فيما يظن أنه يجلب منفعة ثم جلب مضرة.
وقال ابن الكمال : هو الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع أو دفع ضر (٣).
وينبغي ذكر أن السادة الماتريدية قد اتفقوا مع الأشاعرة في القول بأن أفعال العباد واقعة بقدرة الله تعالى ، وللعباد فيها الكسب ، لكن الماتريدية يختلفون مع الأشاعرة في معنى الكسب.
فالماتريدية :
يثبتون للعبد قدرة وإرادة لها أثر في الفعل ، ولا أثر لها في الإيجاب والإحداث ، وإنما أثرها ينصب على وصف الفعل بكونه طاعة أو معصية ، وتتمثل هذه القدرة في القصد والاختيار للفعل ، والله سبحانه وتعالى يخلق للعبد القدرة على الفعل ، وتكون نتيجة الفعل عليه (٤).
وبذلك يثبت الماتريدية أن للعبد اختيارا في أفعاله ، وهذه الأفعال هي التي يترتب عليها
__________________
(١) أصول الدين للبغدادي (ص ٢٥٥) ، أصول البزدوي (ص ١٥٢).
(٢) انظر : الروضة البهية (ص ١٤٤).
(٣) انظر : تعريفات ابن الكمال (ص ١٤٥).
(٤) انظر : أبو منصور الماتريدي وآراؤه الكلامية (ص ٤٣٢).