في المنقول ، وعلى النظر في المستنبط» (١).
وخلاصة القول : أنه برغم الاختلاف بين المصطلحين ، فإنهما يشتركان في معنى واحد ، وهو محاولة الكشف عن حقيقة شيء ، وأنه حين يستخدم كل منهما في شرح ألفاظ القرآن وبيان معانيه فإنه يجمعهما هذا المعنى العام.
نشأة التفسير وتطوره
من البدهيات أن كل شيء في الوجود لا يكتمل إلا إذا مر بمراحل معينة وأطوار متتالية ، وتلك سنة من سنن الله في الأشياء جميعا ، (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) [فاطر : ٤٣].
ويصدق على العلوم ما يصدق على الأشياء ، فلم يعرف أن هناك علما من العلوم وجد كاملا هكذا فجأة ، وإنما كل علم مر بمراحل وتطورات حتى صار علما له أصوله وأركانه التي يقوم عليها.
ومن العلوم علم التفسير ، هذا العلم الذي شهد تطورات منذ نزول الآيات الأولى من كتاب الله الكريم وحتى يوم الناس هذا ، فبدأ بمرحلة المهد ثم الطفولة ، وتطورت به المراحل حتى استوى على سوقه ، وصارت له أصوله وأركانه.
وجدير بمن يتناول علم التفسير أن يقف عند هذه المراحل والتطورات ؛ لأنها تطورات متلاحقة ومتعانقة في آن واحد ، فلا يمكن فصل مرحلة عن مرحلة ، أو اعتماد مرحلة دون أخرى ، وإلا فقد هذا العلم ركنا من أركانه ، وأصلا من أصوله ، ولوقع المفسر في أخطاء جسيمة ، وأدخل في تفسيره للآيات غير مراد الله ومقصوده ، ومن ثم فعلى المفسر أن يراعي كل المراحل ، ولا يعتمد مرحلة دون مرحلة ، ويراعي في المقام الأول مرحلة التفسير في عهد النبوة ؛ لأنها الأساس الذي يبنى عليه ما بعده ، ولأن النبي صلىاللهعليهوسلم هو أعلم الناس بالقرآن.
هذا : وقد أشرنا إلى نشأة علم التفسير في عجالة سريعة عند حديثنا عن الحياة الفكرية والعلمية في عصر الماتريدي في الفصل السادس من الباب الأول من هذه المقدمة ، إلا أنه لأهمية الوقوف على نشأة التفسير وتطوره ، خصصنا الصفحات الآتية لدراسة أبرز مراحل هذه النشأة وذلك التطور :
__________________
(١) البرهان في علوم القرآن (٢ / ١٧١ ، ١٧٢).