ومن تفسير القرآن بالقرآن : حمل المبهم على المبين ، كما في قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [البقرة : ١٨٧] فقد فسر قوله : (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) بقوله : (الْفَجْرِ).
ومنه ـ أيضا ـ قول الله تعالى : (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) [الطارق : ١] فقد بينت كلمة الطارق بما تلاها من قول الله تعالى : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) [الطارق : ٣].
«ومن تفسير القرآن بالقرآن : الجمع بين ما يتوهم أنه مختلف : كخلق آدم من تراب في بعض الآيات ، ومن طين في غيرها ، ومن حمأ مسنون ، ومن صلصال ، فإن هذا ذكر للأطوار التي مر بها آدم من مبدأ خلقه إلى نفخ الروح» (١).
وتجدر الإشارة إلى أن تفسير القرآن بالقرآن كان النواة الأولى لعلم التفسير ، وهو ما قاله المستشرق جولد تسيهر ، ووافقه الذهبي حين قال : «نعم نستطيع أن نوافقه ـ يقصد جولد تسيهر» أن المرحلة الأولى للتفسير تتركز في القرآن نفسه ، على معنى رد متشابهه إلى محكمه ، وحمل مجمله على مبينه ، وعامه على خاصه ، ومطلقه على مقيده ... كما تتركز في بعض قراءاته المتواترة» (٢).
الطريق الثاني في تفسير القرآن الكريم في المرحلة النبوية : تفسيره بالسنة الشريفة ، وذلك حين لا نجد في القرآن ما نفسره به ، «فالسبيل المثالية التي لا ينبغي لعاقل أن يعدل عنها ، أن يطلب التفسير ثاني ما يطلبه ـ أي بعد القرآن مباشرة ـ من السنة ، وعلى هذا أطبق أهل السنة والجماعة ؛ انطلاقا منهم ـ رحمهمالله ـ من مسلمات أربع :
أولاها : أن خير من يمكن أن يفسر القرآن ، ومن ينبغي أن يطلب منه تفسيره بعد الله تعالى في محكم كتابه هو رسوله صلىاللهعليهوسلم الذي حدثنا ربه فيما حدث من وصفه صلىاللهعليهوسلم أنه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [النجم : ٣ ، ٤].
فهو إذن صلىاللهعليهوسلم بمقتضى كونه رسولا أولا ، ثم بمقتضى شهادة هذا النص وأشباهه ثانيا ـ لا يمكن أن يقر على خطأ أبدا ، دع عنك أن يكون الخطأ في مثل هذا الأمر الجلل ، أعني تفسير القرآن الكريم الذي هو أعظم معجزاته ، وأكبر آيات فضله وسمو منزلته ، فإن جاز عليه الخطأ بمقتضى بشريته في يسير الأمر ، فليس يجوز عليه في أهم المهمات بالنسبة له
__________________
(١) السابق ، الصحفة نفسها
(٢) السابق (١ / ٤٤) ، وينظر : جولد تسيهر : المذاهب الإسلامية في التفسير (١ / ١). وسنعود في قابل دراستنا هذه إلى مناقشة آراء المستشرقين في تفسير القرآن بالقرآن ؛ حيث إنه قد وقعت منهم مغالطات لا يمكن قبولها ، يبغون منها هدم القرآن والإسلام ، ولكن هيهات هيهات