ولشريعته وأمته أصلا ، بل إن جاز عليه الخطأ ولو في يسير من الأمر بمقتضى تلك البشرية ، فليس يجوز في عقل عاقل أن يقر عليه ، بمقتضى ما له من الرسالة ، بل لا محالة يهديه ربه إلى صواب القول والعمل.
الثانية : أن خير من يمكن أن يفسر الشيء من تكون أهم وظائفه تبيان ذلك الشيء ، فعند ذلك نقول : قد صرح الله في محكم ذكره بأن أولى غايتي إنزاله ، وبالتالي أهم وظيفة لنبيه هي تبيانه صلىاللهعليهوسلم ذلك الذكر للناس ، على ما قال جل من قائل : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٤٤].
الثالثة : أن من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن السنة هي الأصل الثاني لهذا الدين ، والمصدر التالي للقرآن مباشرة في جميع كليات هذا الدين وجزئياته ، فالمجاوز للسنة إذن مع وجدان طلبته فيها راكب لعظيم ، مخالف لمقتضى ضروريات هذا الدين.
الرابعة : أن طلب البيان من السنة ما تيسر فيها هو من جملة مقتضى الأوامر الإلهية الموجبة لطاعته صلىاللهعليهوسلم في كل ما نأتي ونذر ؛ من أمثال قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩](١).
وقد رسخت هذه المسلمات وتقررت في أذهان أصحاب الرسول صلىاللهعليهوسلم فكانوا يسألونه ـ كما سبقت الإشارة ـ عن جميع ما يشكل عليهم من القرآن الكريم وغيره ، وقد ذكرنا فيما مضى بعض الأمثلة التي تبين ذلك ، ونزيد الأمر وضوحا بعرض مجموعة القضايا الآتية :
القضية الأولى : كيف بينت السنة القرآن (٢)؟
جاء بيان السنة للقرآن على وجوه متعددة ، أبرزها ما يأتي :
الوجه الأول : بيانه صلىاللهعليهوسلم لبعض مجملات القرآن ، كما في بعض الفروض التي جاءت في القرآن مجملة : كالصلاة والزكاة والصوم والحج ، فقد قام صلىاللهعليهوسلم بتفصيل أمرها بأقواله أو أفعاله ، أو كليهما ، تفصيلا ما كنا نستطيع بدونه أن نفهم المقصود منها ، فقد بين صلىاللهعليهوسلم مواقيت الصلوات الخمس ، وعدد ركعات كل صلاة وكيفيتها ، وبين مقادير الزكاة ،
__________________
(١) د. إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة : دراسات في مناهج المفسرين ـ الجزء الأول (طبعة دار الوفاء ، نشر مكتبة الأزهر ، القاهرة (١٣٩٩ ه ـ ١٩٧٩ م) (ص ٢١٣ ، ٢١٤).
(٢) ينظر في هذه القضية : د. محمد حسين الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥٧ ـ ٥٩) ، ود. إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة : دراسات في مناهج المفسرين ـ الجزء الأول (ص ٢٣٥ ـ ٢٤٦) ود. عبد الله شحاتة : علوم القرآن والتفسير (ص ٢٤٧ ، ٢٤٨).