الفريق الثاني : ذهب إلى القول بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يبين لأصحابه من معاني القرآن إلا القليل ، وعلى رأس هؤلاء السيوطي (١).
ثم شرع الدكتور الذهبي في عرض أدلة كل فريق :
فأدلة الفريق الأول من الكتاب والسنة والمعقول :
فمن الكتاب : قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٤٤].
والبيان في الآية يتناول بيان معاني القرآن ، كما يتناول بيان ألفاظه ، وقد بيّن الرسول صلىاللهعليهوسلم ألفاظه كلها ، فلا بد أن يكون بيّن كل معانيه ـ أيضا ـ وإلا كان مقصرا في البيان الذي كلف به من الله.
ومن السنة ما روي عن أبي عبد الرحمن السلمي (٢) أنه قال : «حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن .. كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما : أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلىاللهعليهوسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا» (٣).
فهذا الأثر يدل على أن الصحابة تعلموا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم معاني القرآن كلها ، كما تعلموا ألفاظه.
ومن المعقول قالوا : إن العادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في علم من العلوم كالطب أو الحساب ولا يستشرحوه ، فكيف بكتاب الله الذي فيه عصمتهم ، وبه نجاتهم وسعادتهم
__________________
ـ والقرينة الثانية : أن الشيخ ابن تيمية بعد أن صرح بما صرح به من تفسير القرآن بالقرآن ، فإن لم يوجد فتفسيره بالسنة ، قال : «وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة ، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال ، ... ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح ، ولا سيما علماؤهم ، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين»
ومن هنا ، فشيخ الإسلام ابن تيمية برىء مما نسب إليه ، وما كان له أن يقول بهذا ، وهو الخبير بالدروب والعليم ببواطن الأمور.
(ينظر : د. إبراهيم عبد الرحمن محمد خليفة : دراسات في مناهج المفسرين (ص ٢١٧) وما بعدها).
(١) ينظر : د. محمد حسين الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥١).
(٢) انظر : تهذيب الكمال (٢ / ٦٧٤) ، وتهذيب التهذيب (٥ / ١٨٣) (٣١٧) ، وتقريب التهذيب (١ / ٤٠٨) (٢٥٠) خلاصة تهذيب الكمال (٢ / ٤٨) والكاشف (٢ / ٧٩) ، تاريخ البخاري الكبير (٥ / ٧٢).
(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١ / ٦٠) (٨٢).