وما روي عن ابن مسعود قال : «إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن» (١).
والآثار الكثيرة المروية عن علي ـ رضي الله عنه ـ تدل دلالة واضحة على فضله ومنزلته في التفسير ، ومدى الدور الذي اضطلع به في هذا الشأن.
كما أنه يعتبر أول من وضع بفكره الثاقب ، ونظره الصادق في القرآن الكريم ـ اللبنة الأولى في منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم الذي ما زال ـ حتى عصرنا هذا ـ يتحسس طريقه ، ويخطو خطواته الأولى عليه ، فقد كان علي ـ رضي الله عنه ـ يجمع الآيات في الموضوع الواحد ليستخلص منها جميعا حكما صادقا يفسر فيه القرآن بعضه بعضا (٢).
يدل على هذا ما رواه ابن حزم من أن عليّا ذكر عثمان حين أراد إقامة حد الزنى على من وضعت بعد زواجها بستة أشهر بقول الله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف : ١٥] مع قوله : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) [البقرة : ٢٣٣] ، فرجع عثمان عن إقامة الحد عليها» (٣).
«أي أن عثمان حكم العادة الجارية من أنه لا تلد المرأة لأقل من سبعة أشهر ، فاعتبر ولادتها قبل ذلك قرينة لإقامة الحد عليها ، لكن عليّا يستدرك عليه ويتدارك الأمر ، حيث حكم القاعدة التي تدرأ الحدود بالشبهات ، وفهم من الآيتين السابقتين مجتمعتين أن مدة الحمل يمكن أن تكون ستة أشهر ، واعتبر ذلك شبهة تحول دون القطع بوقوع الزنى ، ومن ثم فلا يقع الحد» (٤).
يتبين من خلال ما سبق البصمة الواضحة للإمام علي ـ رضي الله عنه ـ في التفسير ، وإسهامه الواضح في تطوره.
__________________
(١) أخرج طرفه الأول عن ابن مسعود مرفوعا البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجال أحدهما ثقات كما في مجمع الزوائد (٧ / ١٥٥) ومن طريق آخر أخرجه ابن جرير في تفسيره (١ / ٣٥ ـ ٣٦) (١٠).
(٢) ينظر : د. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص ٥٥.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام (طبع العاصمة بالقاهرة ، د. ت) (٢ / ١٤٦) ، وينظر : الشاطبي : الموافقات في أصول الشريعة ، تحقيق : محمد عبد الله دراز (طبع بيروت ، ١٩٧٥) (٣ / ٣٧٣).
(٤) د. محمد إبراهيم شريف : بحوث في تفسير القرآن الكريم ص ٥٦.