المرحلة الثالثة : التفسير في عصر التابعين
جاء عصر التابعين ، فوجدوا بين أيديهم ميراثا ضخما من التفسير ، لكنه ليس شاملا لكتاب الله تعالى كله ، بل هو تفسير لبعض الآيات ، كما أنه لم تكن هناك مصنفات كاملة فيه ، حيث إنه لم يدون في عهد الصحابة ، لقرب العهد برسول الله صلىاللهعليهوسلم ولقلة الاختلاف ، وللتمكن من الرجوع إلى الثقات.
ثم لما انقضى عصر الصحابة أو كاد ، وصار الأمر إلى تابعيهم ، انتشر الإسلام ، واتسعت الأمصار ، وتفرقت الصحابة في الأقطار ، وحدثت الفتن ، واختلفت الآراء ، وكثرت الفتاوى والرجوع إلى الكبراء ، فأخذوا في تدوين الحديث والفقه وعلوم القرآن (١).
ومعنى هذا أن حركة واسعة لتدوين علوم الإسلام قد بدأت مع عصر التابعين ، في أواخر القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني ، وقد نال التفسير قسطا وافرا من اهتمام التابعين ، سواء فيما يتعلق بتدوينه أو تطويره والبلوغ به درجات لم يبلغها من قبل.
ونريد في عجالة أن نستجلي أهم ما قام به التابعون في مجال تفسير القرآن الكريم ، ولتحقيق ذلك نقف أمام النقاط الآتية :
أولا : مصادر التابعين في تفسير القرآن الكريم :
اتبع علماء التابعين سنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصحابته الكرام ، فصدروا عن طريقتهم في التفسير ، فجاءت مصادرهم في التفسير هي المصادر الثلاثة السابقة : تفسير القرآن بالقرآن ، وتفسير القرآن بالسنة ، وتفسير القرآن بما عند أهل الكتاب مما جاء في كتبهم ، ولكنهم زادوا مصادر أخرى : ففسروا القرآن بما رووه عن صحابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم توسعوا في الاجتهاد وتفسير القرآن بالرأي عما كان عليه في عهد الصحابة.
يقول الدكتور الذهبي : اعتمد هؤلاء المفسرون في فهمهم لكتاب الله تعالى على ما جاء في الكتاب نفسه ، وعلى ما رووه عن الصحابة من تفسيرهم أنفسهم ، وعلى ما أخذوه من أهل الكتاب مما جاء في كتبهم ، وعلى ما يفتح الله به عليهم من طريق الاجتهاد والنظر في كتاب الله تعالى.
وقد روت لنا كتب التفسير كثيرا من أقوال هؤلاء التابعين في التفسير ، قالوها بطريق
__________________
(١) ينظر : د. عبد الله شحاتة : علوم القرآن والتفسير ص ٢٥١.