التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
في زماننا بدأ يظهر ما يعرف بالتفسير الموضوعي ، وهو يعني أمرين :
الأول : أنه يعني الوحدة الموضوعية ، أي : أن بناء السورة الكريمة من سور القرآن الكريم يتناول في معظمه موضوعا واحدا ، تقوم السورة الكريمة على بيانه والإلحاح عليه من أولها إلى آخرها ، وقد يتخلل ذلك موضوعات أخرى أو إشارات إلى موضوعات أخرى ، ولكن يبقى الخيط العام في السورة وموضوعها واضحا ، ونادرا ما تقتصر سورة من سور القرآن على موضوع واحد ، وذلك من مميزات أسلوبه الفريد وإعجازه الواضح ، ومع هذا يبقى الموضوع الكبير وتفاصيله واضحا في بناء السورة الكريمة ، صغيرة كانت أو كبيرة.
يمثل ذلك سورة يوسف فإن موضوعها قصة يوسف ـ عليهالسلام ـ منذ ولادته والرؤيا التي رآها إلى وفاته (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف : ١٠١].
ومع أن قصة يوسف هي موضوع السورة الأكبر ، وأن وحدة الموضوع وعناصره بادية في السورة من أولها إلى آخرها إلا أن الأسلوب القرآني المعجز يدخل في ثنايا ذلك موضوعات أخرى لا تخل بوحدة موضوع السورة ، ولكنها تضيف إليه التقدير والتعظيم.
فالموضوع الأكبر هو قصة يوسف ، وقد تم سردها بدقة وإحكام ، والموضوع الآخر إثبات صدق محمد صلىاللهعليهوسلم فيما أخبر به من القرآن الكريم ، فهو وحي من عند الله ومعجز لأمته ، وبين هذين الموضوعين تعرضت آيات القصة لكثير من القيم والتوجيهات الدينية ، وقد أفاد كل ذلك في بناء الموضوع ووحدته.
الأمر الثاني :
وهو سابق على الأمر الأول المتمثل في الوحدة الموضوعية في السورة ، فهناك محاولات سابقة للعلماء للربط بين الآيات وبيان المناسبة بين كل آية وآية مما يعد لبنة في تلك الدراسة ، فخصص السيوطي لذلك فصلا في كتابه «الإتقان في علوم القرآن» سماه : «مناسبة الآيات» قال فيه كلاما طيبا لا يبعد كثيرا عما يسمى بالوحدة الموضوعية ، بل وهناك محاولات لبيان مناسبة السورة مع التي قبلها.
وقد تطور هذا الأمر ، فأصبح التفسير الموضوعي يعني «جمع الآيات المتفرقة في سور القرآن الكريم المتعلقة بالموضوع الواحد لفظا أو حكما ، وتفسيرها حسب المقاصد