الفصل الثاني
مدارس تفسير القرآن الكريم
قلنا : إن المدارس التفسيرية تبلورت في عصر التابعين ، فظهرت عدة مدارس ، لكل مدرسة منها أسلوبها وطريقتها ومنهجها في تفسير القرآن الكريم ، اضطلع بالتفسير فيها أئمة كبار من أهل العلم.
يقول الدكتور الذهبي : فتح الله على المسلمين كثيرا من بلاد العالم في حياة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، وفي عهود الخلفاء من بعده ، ولم يستقروا جميعا في بلد واحد من بلاد المسلمين ، بل نأى الكثير منهم عن المدينة مشرق النور الإسلامي ثم استقر بهم النوى ، موزعين على جميع البلاد التي دخلها الإسلام ، وكان منهم الولاة ، ومنهم الوزراء ، ومنهم القضاة ، ومنهم المعلمون ، ومنهم غير ذلك.
وقد حمل هؤلاء معهم إلى هذه البلاد التي رحلوا إليها ، ما وعوه من العلم ، وما حفظوه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجلس إليهم كثير من التابعين يأخذون العلم عنهم ، وينقلونه لمن بعدهم ، فقامت في هذه الأمصار المختلفة مدارس علمية ، أساتذتها الصحابة ، وتلاميذها التابعون.
واشتهر بعض هذه المدارس بالتفسير ، وتتلمذ فيها كثير من التابعين لمشاهير المفسرين من الصحابة ، فقامت مدرسة للتفسير بمكة ، وأخرى بالمدينة ، وثالثة بالعراق ، وهذه المدارس الثلاث ، هي أشهر مدارس التفسير في الأمصار في هذا العهد (١).
ويمكننا القول : إن أصل هذه المدارس ، وأعلمها بالتفسير هي مدرسة مكة ؛ لأن شيخها وأستاذها عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ، كان نسيج وحده في التفسير ، فكان أعلم الناس به ، وكان تلاميذه أعلم التابعين به أيضا ؛ ولذلك يقول ابن تيمية : أعلم الناس بالتفسير أهل مكة ؛ لأنهم أصحاب ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم (٢).
ونحاول في الصفحات الآتية الوقوف أمام أبرز مدارس التفسير ؛ لبيان خصائصها
__________________
(١) التفسير والمفسرون (١ / ١٠٢) ، وينظر : الإسرائيليات والموضوعات في التفسير ص ٩٢ ، ٩٣.
(٢) ينظر : مقدمة في أصول التفسير ص ٦١.