الفصل الثالث
المناهج التفسيرية بين القديم والحديث
لقد أجمع علماء التفسير منذ القديم ـ فيما نقله الزركشي ـ على شروط كثيرة لا بد من مراعاتها عند تفسير القرآن الكريم أجملوها في أربعة شروط هي :
أولا : الأخذ بما صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم من أحاديث في التفسير.
ثانيا : الأخذ بقول الصحابي ، وخاصة فيما لا مجال للاجتهاد فيه : كالأمور الغيبية ، والناسخ والمنسوخ.
ثالثا : الأخذ بمطلق اللغة مع الاحتراز عن صرف الآيات إلى غير معناها الحقيقي ، أو إلى غير مرادها.
رابعا : الأخذ بما يقتضيه الكلام ويدل عليه قانون الشرع (١).
واستمر العمل بهذا المنهج كحد يعرف به الرأي الممدوح من الرأي المذموم إلى أواخر القرن التاسع عشر ، حيث سادت العالم مناهج جديدة ، ومع مرور الزمن وتغلغل هذه المناهج وتمكنها من عقول بعض المفكرين داخل العالم الإسلامي ـ ظهرت مدرسة فكرية حديثة تدعو إلى تجديد فهم القرآن فهما عصريّا ، متبنية في ذلك ما توصل إليه العقل البشري من مناهج وعلوم ـ وخاصة الغربية ـ على رأسها علم الألسنية الحديثة وغيره. وكان من أهم آراء المدرسة الفكرية الحديثة الدعوة صراحة إلى تجاوز كل الأدوات المنهجية التراثية ؛ لأنها ـ حسب رأيها ـ تمثل فترة زمنية معينة ، ثم تبنيها الأدوات المنهجية المعاصرة ، مثل المنهج التاريخي ، والمنهج البنيوي ، والمنهج الجدلي وغيرها (٢).
وفي هذا الفصل محاولة لدراسة أهم مناهج التفسير في القديم والحديث ، وبيان أهم ما يميز هذه المناهج وما يعتورها من قصور ، وذلك على النحو التالي :
أولا : مناهج التفسير في القديم
بعد التابعين ، وقيام المدارس التفسيرية ، ظهرت مؤلفات في التفسير مستقلة ؛ حيث
__________________
(١) ينظر : الزركشي : البرهان في علوم القرآن (٢ / ١٥٦ ـ ١٦١).
(٢) ينظر : الجيلاني بن التوهامي مفتاح : المدرسة الفكرية المعاصرة في تفسير القرآن الكريم ـ أبو القاسم حاج حمد نموذجا (بحث منشور في مجلة المسلم المعاصر ، العدد ١٠١ ، السنة ٢٦ ، ربيع الثاني ١٤٢٢ ه ـ يولية ٢٠٠١) ص (١٣ ، ١٤).