٣ ـ منهج التفسير الإشاري
يقصد بالتفسير الإشاري : تأويل القرآن على خلاف ظاهره ؛ لإشارات خفية تظهر لبعض أولي العلم ، أو تظهر للعارفين بالله من أرباب السلوك والمجاهدة للنفس ، ممن نور الله بصائرهم فأدركوا أسرار القرآن العظيم ، وانقدحت في أذهانهم بعض المعاني الدقيقة بواسطة الإلهام الإلهي أو الفتح الرباني ، مع إمكان الجمع بينها وبين الظاهر المراد من الآيات الكريمة (١).
وقد وقع خلاف بين العلماء حول التفسير الإشاري : فمنهم من أجازه ، ومنهم من منعه ، ومنهم من عده من كمال الإيمان ، ومحض العرفان ، ومنهم من اعتبره زيغا وضلالا وانحرافا عن دين الله تبارك وتعالى.
والواقع أن الموضوع دقيق ، يحتاج إلى بصيرة وروية وغوص في أعماق الحقيقة ؛ ليظهر ما إذا كان الغرض من هذا النوع من التفسير هو اتباع الهوى والتلاعب في آيات الله كما فعل الباطنية ؛ فيكون ذلك زندقة وإلحادا ، أو الغرض منه الإشارة إلى أن كلام الله تعالى لا يحيط به بشر ؛ لأنه كلام خالق القوى ، وأن لكلامه تعالى مفاهيم وأسرارا ، ونكتا ودقائق ، وعجائب لا تنقضي ، فيكون ذلك من محض العرفان وكمال الإيمان (٢) ، كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : «إن القرآن ذو شجون وفنون ، وظهور وبطون ، لا تنقضي عجائبه ، ولا تبلغ غايته ، فمن أوغل فيه برفق نجا ، ومن أوغل فيه بعنف هوى ، أخبار وأمثال ، وحلال وحرام ، وناسخ ومنسوخ ، ومحكم ومتشابه ، وظهر وبطن ، فظهره التلاوة ، وبطنه التأويل ، فجالسوا به العلماء ، وجانبوا به السفهاء» (٣).
وإذا أردنا معرفة الحق في هذا الموضوع ، فعلينا أن ننقل شيئا من أقوال العلماء ؛ فقد قال الزركشي : «كلام الصوفية في تفسير القرآن قيل : إنه ليس بتفسير ، وإنما هو معان ومواجيد يجدونها عند التلاوة ، كقول بعضهم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) [التوبة : ١٢٣] إن المراد النفس ، يريدون أن علة الأمر بقتال من يلينا هي القرب ، وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه».
وقال ابن الصلاح في فتاويه : «وجدت عند الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر أنه
__________________
(١) محمد علي الصابوني : التبيان في علوم القرآن ص ١٦٩ ، وينظر : الزرقاني : مناهل العرفان في علوم القرآن (٢ / ٧٨).
(٢) ينظر : محمد علي الصابوني : التبيان في علوم القرآن ص ١٧٠.
(٣) أخرجه الطبري في مقدمة تفسيره (٦٧ ، ٧٠) عن ابن مسعود بنحوه.