بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذى أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، وجعله قيما لا عوج فيه مستقيما ، ودعا إلى اتباعه ، والسير على منهاجه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء : ٨٢].
وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، وصفيه من خلقه وحبيبه ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، وعلم الأمة القرآن ، وقال : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (١) ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وبعد :
فالتفسير من أجل العلوم قدرا ، وأعلاها شرفا وذكرا ، وأعظمها أجرا ، وأسناها منقبة ، يملأ العيون نورا ، والقلوب سرورا ، والصدور انشراحا ، ويفيد الأمور اتساعا وانفتاحا ، لا يفنى بكثرة الإنفاق كنزه ، ولا يبلى على طول الزمان عزه ، به تتعلق مصالح العباد فى معاشهم ومعادهم ؛ لذا كان أولى بالالتفات إليه ، وأجدر بالاعتماد عليه ؛ وكيف لا؟ وهو يتعلق بتفسير أعظم كتاب ، وأضبط كتاب ، وأهدى كتاب ؛ القرآن الكريم الذى (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : ٤٢].
ولقد قام سلفنا الصالح من كبار العلماء العاملين بجهود عظيمة فى مجال تفسير القرآن الكريم ، فعبدوا طرقه ، ويسروا صعبه ، وبينوا مسائله ، راجين مرضاة الله ، طالبين رضاه ، ملتمسين عفوه ومغفرته.
ومما لا شك فيه أن دراسة التراث التفسيرى متمثلا فى تحقيق أمهات كتب التفسير ، والعناية بها ، والاطلاع عليها ـ يسهم كل ذلك بحظ وافر فى التعرف على كتاب الله العظيم ، وتفهم آياته ، ومعرفة تعاليمه ؛ مما ييسر العمل به. أضف إلى ذلك : التعرف على هذا التراث الضخم ، والثروة التفسيرية الهائلة الكاشفة عن جهود علمائنا الأجلاء فى خدمة القرآن الكريم.
لكل هذا آثرنا تحقيق كتاب «تأويلات أهل السنة» لأبى منصور الماتريدى ؛ وذلك لأهمية هذا الكتاب فى استخلاص مسائل العقيدة من آى الذكر الحكيم ، وأيضا لأن هذا
__________________
(١) أخرجه البخارى (٨ / ٦٩٢) فى كتاب فضائل القرآن باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (٥٠٢٧) (٥٠٢٨) ، وأخرجه أبو داود برقم (١٤٥٢) ، والترمذى برقم (٩٠٧ ، ٩٠٨ ، ٩٠٩) ، وابن ماجه برقم (٢١١) ، والدارمى (٢ / ٤٣٧) ، وأحمد فى المسند (١ / ٥٨ ، ٦٩).