ويحتمل وجها آخر ، وهو أن يقال : كما كان له امتحان كل في نفسه ابتداء محنة ، كقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] ، وكقوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) ، وكقوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) [البقرة : ١٥٥] الآية».
فالماتريدي بعد ما حلل الآية موضع التفسير دفع بالآيات ليدلل على ما ذهب إليه ، وهي كلها تدل على معنى الآية المفسرة ، أو شبيهة بها.
ومنه ـ أيضا ـ ما جاء عند تفسير قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) حيث قال : «ويحتمل أن تكون الآية في جملة المؤمنين ، أي : استجيبوا لله في أوامره ونواهيه ، وللرسول فيما يدعوكم إليه ، وإنما كان يدعو إليه إلى دار الآخرة ، كقوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) ، ودار الآخرة هي دار الحياة ؛ كقوله : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) كأنه قال ـ والله أعلم ـ أجيبوا لله وللرسول ؛ فإنه إنما دعاكم إلى ما تحيون فيها ، ليس كالكافر الذي لا يموت فيها ، ولا يحيا بتركه الإجابة».
ونلاحظ هنا أنه بدأ بالتحليل ، ثم ذكر الآيات الدالة ، ثم عاد للتحليل والتوجيه مرة أخرى.
وإذا كانت النماذج السابقة تتجه فيها الآيات المفسّرة إلى بيان معنى الآية المفسّرة ، فإن الآية المفسرة قد تفسر كلمة واحدة في الآية ، كما جاء في تفسيره لقول الله عزوجل : (وَاتَّقُوا فِتْنَةًلا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] فقد أراد الماتريدي تفسير كلمة (وَاتَّقُوا) فقال : «أي اتقوا فتنة التي تصيب الظلمة منكم خاصة بظلمهم ، وهو العذاب ؛ كقوله : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).
ثانيا : أسباب النزول :
استعان الماتريدي في تفسيره ببيان أسباب النزول ، وأحيانا يحشر المرويات التي وردت في سبب النزول ولا يكتفي برواية واحدة ، وأحيانا أخرى يكتفي برواية واحدة.
ومما ذكره في أسباب النزول ما جاء في سبب نزول قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ...) الآية.
حيث قال : «فالسؤال يحتمل وجهين :
يحتمل أنهم سألوا عن حلها وحرمتها ؛ لأن الغنائم كانت لا تحل في الابتداء ، قيل : إنهم كانوا يغنمونها ويجمعونها في موضع ، فجاءت نار فحرقتها ، وسألوا عن حلها