الفصل الثالث
ظاهرة الدول المستقلة في الشرق الإسلامي
تميز تاريخ الدولة العباسية بظاهرة فريدة لم يشهدها تاريخ الخلافتين الراشدة والأموية ، وهي ظاهرة الدول المستقلة في المشرق والمغرب جميعا.
وإذا كان ظهور النزعات الاستقلالية في العالم الإسلامي يرجع إلى أواخر العصر الأموي ، فإن هذه الظاهرة قد اتسعت على نحو كبير منذ مطلع الدولة العباسية ، فقامت الدولة الأموية بالأندلس (١٣٨ ـ ٣٩٧ ه) على يد عبد الرحمن الداخل ، وأسس إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي دولة الأدارسة في المغرب الأقصى (١٧٢ ـ ٣١١ ه) ، وقامت دولة الأغالبة في تونس (١٨٤ ـ ٢٦٩ ه) على يد إبراهيم بن الأغلب ، وفي مصر ظهر الطولونيون (٢٥٤ ـ ٢٩٢ ه) ثم الإخشيديون (٣٢٣ ـ ٣٥٨ ه) ثم الخلافة الفاطمية (٣٥٨ ـ ٥٦٧ ه).
أما في الشرق فثمة دول استطاعت الاستقلال عن الدولة العباسية ، فقد قامت الدولة الطاهرية في خراسان ـ نسبة إلى طاهر بن الحسين (٢٠٥ ـ ٢٥٩ ه) ـ وعلى أنقاضها نشأت الدولة الصفارية (٢٥٤ ـ ٢٩٠ ه) على يد يعقوب بن الليث الصفار ، كما ظهرت الدولة السامانية (٢٦٦ ـ ٣٨٩ ه) (١).
ونستطيع أن نرد أسباب هذ الظاهرة ـ وهي نشأة الدول المستقلة ـ إلى تضخم نفوذ الأتراك في الدولة العباسية ، واستبدادهم بتصريف الشئون السياسية دون الخلفاء ، فأحدث الأتراك كثيرا من القلاقل والاضطرابات ، وغدت الدولة العباسية مسرحا للفوضى والاضطرابات السياسية ، الأمر الذي ترتب عليه ضعف السلطة المركزية في بغداد وما ارتبط به من استقلال أكثر الولايات الإسلامية.
وثمة أمر آخر هو أن انحسار نفوذ العرب والفرس وضعف مكانتهم وهوان شأنهم في الدولة العباسية ، دفعهم دفعا إلى الاستقلال ببعض بلدان الدولة العباسية في المشرق الإسلامي ، فكانت الدولتان : الصفارية والسامانية (٢).
وهاتان الدولتان تقع في إطارهما مدينة سمرقند التي ولد فيها الماتريدي ؛ ولذلك
__________________
(١) انظر : حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام (٣ / ٦٤).
(٢) ينظر : مروج الذهب (٤ / ٦٤) ، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة (٢ / ٣٠٦).