الفصل الخامس
تأثير الماتريدي فيمن جاءوا بعده
لقد كان الماتريدي من أفاضل علماء أهل السنة في بلاد الشرق الإسلامي ، ففي الطبقات السنية : اتفق الناس على علو قدره وعظم محله وطيب نشره ، فإنه كان من كبار علماء الإسلام الذين بعلمهم يقتدى ، وبنور فضلهم يهتدى (١) ، وكان إمام المتكلمين ومصحح عقائد المسلمين ، نصره الله بالصراط المستقيم ، فصار في نصرة الدين القويم ، صنف التصانيف الجليلة ، ورد أقوال أصحاب العقائد الباطلة (٢).
ولذلك كان أثر الماتريدي في لاحقيه أثرا كبيرا ، ولعلنا نتلمس هذا التأثير في عدة اتجاهات هي :
أولا : تأثيره في التفسير :
تأثر الذين جاءوا من بعد الماتريدي به كثيرا في التفسير ، فأخذ عنه كثير من المفسرين ، منهم صاحب روح المعاني ، حيث تجد تأثره بالماتريدى في تفسير قوله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) يقول : «فهو الحامد والمحمود ، والجميع شئونه ، ولهم كلام غير هذا ، والكل يسقى بماء واحد ، وعن إمامنا الماتريدي ـ روح الله روحه ـ أنه جعل هذا حمدا من الله تعالى لنفسه ، قال : وإنما حمد نفسه ليعلم الخلق ، ولا ضير في ذلك ؛ لأنه سبحانه هو المستحق لذاته والحقيق بما هنالك ؛ إذ لا عيب يمسه ، ولا آفة تحل به» (٣).
وينقل عنه الألوسي ـ أيضا ـ تفريقه بين التفسير والتأويل ، فيقول : «وقال الماتريدي : التفسير : القطع بأن مراد الله تعالى كذا ، والتأويل ترجيح أحد الاحتمالات بدون قطع ، وقيل : التفسير ما يتعلق بالرواية ، والتأويل ما يتعلق بالدراية» (٤).
ونقول الألوسي عن الإمام الماتريدي في تفسيره لا تحصى عددا (٥).
ونقل عنه ـ أيضا ـ القرطبي ، فعند تفسيره قول الله تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) [المائدة : ٢] قال : «حكي عن الشيخ الإمام أبي منصور الماتريدي ـ رحمهالله ـ أنه قال :
__________________
(١) الطبقات السنية ص (٥٦٧).
(٢) كتائب الأعلام ص (١٢٩).
(٣) روح المعاني (١ / ٧٤).
(٤) السابق (١ / ٥).
(٥) ينظر على سبيل المثال : السابق (١ / ١٨) ، (٥ / ٨١) ، (١٧ / ١٧٧) ، (١٩ / ١٦٤) ، (٣٠ / ٢٠٠) ، وغيرها.