يحتمل أن أبا حنيفة كره إشعار أهل زمانه وهو المبالغة في البضع على وجه يخاف منه السراية ، أما من لم يجاوز الحد وفعل كما كان يفعل في عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فهو حسن» (١).
وأفاد من الماتريدي ـ أيضا ـ المفسر الكبير ، واللغوي البحر ، الجامع بين الرواية والدراية ، العالم أبو حيان في كتابه البحر المحيط ، فمثلا عند قوله تعالى : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) [النساء : ١٢٨] ينقل عن الماتريدي تأويله : «ويحتمل أن يراد بالشح الحرص ، وهو أن يحرص كل على حقه ، يقال : هو شحيح بمودتك ، أي : حريص على بقائها ، ولا يقال في هذا : بخيل ، فكأن الشح والحرص واحد في المعنى ، وإن كان في أصل الوضع : الشح للمنع ، والحرص للطلب ، فأطلق على الحرص الشح ؛ لأن كل واحد منهما سبب لكون الآخر ، ولأن البخل يحمل على الحرص ، والحرص يحمل على البخل» (٢).
هذا ولم يقتصر تأثير الماتريدي على مفسري المتقدمين ، بل لقد أفاد منه مفسرو المتأخرين حتى عصرنا الحاضر ، فقد أفاد منه السيوطي في الإتقان (٣) ، وأفاد منه الزرقاني في مناهل العرفان (٤) ، وأفاد منه الزركشي في برهانه (٥) ، وأفاد منه ابن تيمية في فتاويه (٦) ، وغيرهم كثير وكثير ، وما يزال اسم الماتريدي وتفسيره تأويلات أهل السنة يتردد في تفاسير المحدثين وبحوثهم في التفسير.
ثانيا : تأثير الماتريدي في العقيدة :
لقد كان لمذهب الماتريدي الكلامي أثره في اللاحقين ، فقد أفادوا منه أيما إفادة ، وأفادوا من مسائله الاعتقادية التي عرضها في تفسيره تأويلات أهل السنة.
وتدليلا على ذلك نسوق بعض النماذج ، فقد جاء في أنواء البروق ما نصه : «وأما الحلف بصفات الأفعال ، ففي المجموع وشرحه وحاشيته ما حاصله : أن اليمين لا ينعقد بنحو الإماتة والإحياء ، اللهم إلا أن يلاحظ المذهب الماتريدي ، وهو أن صفات الأفعال
__________________
(١) تفسير القرطبي (٦ / ٣٨).
(٢) البحر المحيط لأبي حيان (٤ / ٣٦٤) ، وينظر أيضا (١ / ٤٧٦) ، (١ / ٤٨٠) ، (١ / ٤٩٠).
(٣) ينظر : الإتقان (٢ / ٤٦٠).
(٤) ينظر : مناهل العرفان (٢ / ٦).
(٥) ينظر البرهان : (٢ / ٤٣٠).
(٦) ينظر : فتاوي ابن تيمية في التفسير (١٦ / ٢٦٩).