ثم فيه الإقرار بوحدانيته فى إنشاء البريّة كلها ، وتحقيق الربوبية له عليها بقوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) وكل واحد منها يجمع خصال خير الدارين ، ويوجب القائل به ـ عن صدق القلب ـ درك الدارين.
ثم الوصف لله ـ عزوجل ـ بالاسمين يتعالى عن أن يكون لأحد من معناهما حقيقة ، أو يجوز أن يكون منه الاستحقاق نحو «الله» و «الرحمن».
ثم الوصف بالرحمة التى بها نجاة كل ناج ، وسعادة كل سعيد ، وبها يتقى المهالك كلها مع ما من رحمته خلق الرحمة التى بها تعاطف بينهم وتراحمهم.
ثم الإيمان بالقيامة بقوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤) مع الوصف له بالمجد ، وحسن الثناء عليه.
ثم التوحيد ، وما يلزم العباد من إخلاص العبادة له ، والصدق فيها ، مع جعل كل رفعة وشرف منالا به عزوجل.
ثم رفع جميع الحوائج إليه ، والاستعانة به على قضائها ، والظفر بها على طمأنينة القلب وسكونه ، إذ لا خيبة عند معونته ، ولا زيغ عند عصمته.
ثم الاستهداء إلى ما يرضيه ، والعصمة عما يغويه فى حادث الوقت ، على العلم بأنه لا ضلال لأحد مع هدايته فى التحقيق.
والرجاء والخوف من الله لا من غيره.
وعلى ذلك جميع معاملات العباد ، ومكاسبهم على الرجاء من الله تعالى أن يكون جعل ذلك سببا به يصل إلى مقصوده ، ويظفر بمراده. ولا قوة إلا بالله.
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(٤)
قوله عزوجل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ).
احتمل : أن يكون جلّ ثناؤه حمد نفسه ؛ ليعلم الخلق استحقاقه الحمد بذاته ؛ فيحمدوه.
فإن قيل : كيف يجوز أن يحمد نفسه ، ومثله فى الخلق غير محمود؟!
قيل له : لوجهين :
أحدهما : أنّه استحقّ الحمد بذاته ، لا بأحد ؛ ليكون فى ذلك تعريف الخلق لما يزلفهم لديه بما أثنى على نفسه ؛ ليثنوا عليه. وغيره إنما يكون ذلك له به ـ جل وعزّ ـ فعليه : توجيه الحمد إليه لا إلى نفسه ؛ إذ نفسه لا تستوجبه بها ، بل بالله تعالى.