ووجه آخر : وهو المخصوص الذى خص به كثيرا من المؤمنين من بين غيرهم ، لكن الثّنيا يدل على صرف الإرادة إلى جملة المؤمنين ؛ إذ انصرف إلى غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
وقوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
على قول المعتزلة : ليس لله على أحد من المؤمنين نعمة ليست على المغضوب عليهم ولا الضالين ؛ إذ لا نعمة من الله على أحد إلا الأصلح فى الدين والبيان للسبيل المرضى ، وتلك قد كانت على جميع الكفرة فيبطل على قولهم الثّنيا. والله الموفق.
ثم اختلف فى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
منهم من قال : هو واحد ؛ إذ كل ضال قد استحق الغضب عليه ، وكل مغضوب عليه استحق الوصف بالضلال.
ومنهم من قال : (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) هم اليهود ، وإنما خصوا بهذا : بما كان منهم من فضل تمرد وعتو لم يكن ذلك من النصارى نحو إنكارهم بعيسى ، وقصدهم قتله مما لم يكن ذلك من النصارى.
ثم قولهم فى الله : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ...) الآية [المائدة : ٦٤]. وقولهم : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ ...) الآية [آل عمران : ١٨١]. وقول الله تعالى فيهم : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ ...) الآية [المائدة : ٨٢].
وكفرهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد استفتاحهم ، وشدة تعنتهم ، وظهور النفاق ؛ فاستحقوا بذلك اسم الغضب عليهم ، وإن كانوا شركاء غيرهم فى اسم الضلال. وبالله التوفيق.
وفى هذا وجه آخر : أن يحمل الذنوب على وجهين :
منها ما يوجب الغضب ـ وهو الكفر ـ ومنها ما يوجب اسم الضلال ـ وهو ما دونه ـ كقول موسى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠].
ورؤية الهداية لأهلها والتعوذ به من كل ضلال ، ومن جميع ما يوجب مقته وغضبه ـ وبالله النجاة والخلاص ـ مع ما فى خبر القسمة ، وعد جليل من رب العالمين فى إجابة العبد مما يرفع إليه من الحوائج ، إذ قال : «قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين» ثم صيّر آخر السورة لعبده ، وليس فى صلاته سوى إظهار الفقر ، ودفع الحاجة ، وطلب المعونة ، والاستهداء إلى ما ذكر مع التعوذ عما وصف ، وليس ذلك مما يوصف به العبد أنّه له ؛ فثبت أن له فى ذلك إجابة ربه فيما أمره به ، ووعد ذلك ، وهو لا يخلف وعده.
فأنّى يحتمل ذلك بعد أمره العبد بالذى تضمنه أول السورة ، فقام به العبد مع لؤمه