وقوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ).
أى : ما ربحوا فى تجارتهم ؛ لأن التجارة لا تربح ولكن بالتجارة يربح ، وقد يسمى الشىء باسم سببه.
وهو كقوله : (جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [النمل : ٨٦] ، والنهار لا يبصر ، ولكن بالنهار يبصر.
وذلك سائغ (١) فى اللغة ، جائز تسمية الشىء باسم سببه.
ثم فى قوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) نفى الربح دون نفى الأصل فى الظاهر ، غير أن النفى على وجهين :
نفى شىء يوجب إثبات ضده ، وهو نفى الصفة ؛ كقولك : فلان عالم : نفيت الجهل عنه ، وفلان جاهل : نفيت العلم عنه.
ونفى شىء لا يوجب إثبات ضده ، وهو نفى الأعراض ؛ لأنك إذا نفيت لونا لم يوجب ضد ذلك اللون.
وقوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) نفى الأصل ؛ كأنه قال : بل خسرت تجارتهم ، أوجبت إثبات ضده.
دليله قوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) [البقرة : ٩٠] ، و (لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [المائدة : ٦٢].
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٠)
وقوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ).
اختلف فيه :
قيل (٢) : إنها نزلت فى المنافقين ؛ لأنها على أثر ذكر المنافقين ، وهو قوله : (وَإِذا لَقُوا
__________________
(١) فى أ : شائع.
(٢) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس (٣٨٦ ، ٣٨٧ ، ٣٨٩) وقتادة (٣٩١) والضحاك (٣٩٢) ، ومجاهد (٣٩٣ ، ٣٩٤ ، ٣٩٥) وغيرهم ، وانظر الدر المنثور للسيوطى (١ / ٧١ ـ ٧٣).