إما أن يكون العلم بالأشياء حقيقة ضرورة ، يقع عند النظر فى الأسباب التى هى أدلة وقوعه عند التأمل فيها ؛ نحو وقوع الدّرك بالبصر عند النّظر وفتح العين.
وإما أن يكون الله تعالى خلق فعل التعلم الذى يعلم المرء فيما يضاف فيه إلى الله تعالى أنه علم.
وكذا قوله : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٤].
وكذا قوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) [يس : ٦٩] ، ولا يحتمل هذه الأسباب لما كانت له كلها ، ولم يكن تعلّم حقيقة ليؤذنه.
وكذلك قول الملائكة : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢] ، والله الموفق.
وقوله : (فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ).
ظاهره أمر ، ولكنه يحتمل التوعد والمعاتبة على ما بينا ، وذلك فى القرآن كثير.
وإن كان فى الحقيقة أمرا ، ففيه دلالة جواز الأمر فيما لا يعلمه المأمور إذا كان بحيث يحتمل العلم به إلى ذى العلم تبين له إذا طلب واستوجب رتبة التعلم والبحث.
ويحتمل : أن يكونوا نبّهوا حتى لا يسبق إليهم ـ عند إعلام آدم ـ أن ذلك من حيث يدركونه لو تكلفوا.
أو أراد أن يريهم آية عجيبة تدل على نبوته ، ذكّرهم عجزهم عن ذلك ، وألزمهم الخضوع لآدم عليهالسلام فى إفادة ذلك العلم له ، كما قال عزوجل : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) [طه : ١٧] ذكره أولا حاله وحال عصاه ، ليعلم ما أراه ما فى يده من آية نبوته على نبينا وعليهالسلام.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ).
قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى المعانى التى ذكروا ؛ إذ كنتم مذ خلقتم موصوفين بالصدق.
أو على تحذير القول بلا علم وكأنه قال : واصدقوا ، واحذروا القول بالجهل. وفى ذلك أنهم لم يتكلفوا بالقول فى شىء لم يعلمهم الله تعالى.
قال أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان : هذا يبطل قول المنجمة والعافة (١) بدعواهم على
__________________
(١) فى أ : القافة.