أمر سهل ، عليه طبع الخلق ، فإذا كان فى تقدير المأمور بالخضوع أنه دونه فى الرتبة ، أو شكله ، أو لم يكن بينهم كثير تفاوت اشتدّت المحنة فى مثله بالطاعة له والخضوع.
فامتحنهم الله به حتى ظهر الخاضع لله ، والمستسلم لحقه ، والمتكبر فى نفسه ، وهو إبليس.
وعلى ذلك الغالب من أتباع الأنبياء عليهمالسلام والذين يأبون ذلك ، أن الذى يحملهم على الإباء عظمهم فى أنفسهم ، وظنّهم أنهم أحقّ بأن يكونوا متبوعين ، والله أعلم.
والوجه الثانى : أن يكون المراد من ذكر السجود حقيقة السجود فهو يخرّج على وجهين :
أحدهما : أن يجعل السجود تحية ؛ ألزم الملائكة تحية آدم به ، وهو ابتداء ما أكرم به أصل الإنس ، وإليه مرجع جملة المؤمنين فى الجنة أن يأتيهم الملائكة بالتحيات والتحف ، وإن اختلفت أنفس التحيات.
وفى ذلك دليل بيّن : أنّ السجود ليس بعبادة فى نفسه ؛ إذ قد يؤمر به للبشر ، ولا يجوز الأمر بعبادة غير الله ؛ فيكون السجود لغيره من حيث الفعل ، والعبادة به لله كغيره من المعروف ، يصنع إلى الخلق.
ومثله أمر سجود يعقوب وأولاده ليوسف عليهالسلام ، والله أعلم.
والثانى : أن يكون السجود له بمعنى التوجه إليه ، وهى الحقيقة لله تعالى ، نحو السجود إلى الكعبة لله تعالى تعظيما له ، وتبجيلا لكعبته ، وتخصيصا من بين البقاع.
كذلك أمر السجود لآدم عليهالسلام ، تعظيما له وتبجيلا من بين سائر البشر ، كلاهما سيّان.
ثم قد ثبت نسخ السجود للخلق بما روى عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو كان يحل لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» (١).
ولما جعل السجود فى العبادة عبادة للمسجود له ، واعترافا بعرف الأشرار بعبادة عظمائهم ، ومن يعبدونه من دون الله ؛ فيصير ذلك المعنى هو السابق فى القلوب ، وذلك
__________________
(١) أخرجه الترمذى (٢ / ٤٥٣) كتاب الرضاع ، باب ما جاء فى حق الزوج (١١٥٩) وابن حبان (٤١٦٢) ، والحاكم (٤ / ١٧١ ـ ١٧٢) ، والبيهقى (٧ / ٢٩١) عن أبى هريرة بلفظ «ما ينبغى لأحد أن يسجد لأحد ، ولو كان أحد ينبغى أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما عظم الله عليها من حقه» واللفظ لابن حبان.