سئلوا عن أمر لم يعلموا فوضوا ذلك إلى الله تعالى.
ومعنى الإرجاء نوعان :
أحدهما : محمود ؛ وهو إرجاء صاحب الكبائر ، ليحكم الله تعالى فيهم بما يشاء ، ولا ينزلهم نارا ولا جنة ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨].
والإرجاء المذموم هو الجبر ، أن ترجأ الأفعال إلى الله تعالى ، لا يجعل للعبد فيه فعلا ، ولا تدبير شىء من ذلك.
وعلى ذلك المروىّ ، حيث قال : «صنفان من أمتى لا ينالهم شفاعتى ؛ القدرية والمرجئة» (١).
والقدرية (٢) : هى التى لم تر لله ـ فى فعل الخلق ـ تدبيرا ، ولا له عليه قدرة التقدير.
والمرجئة (٣) : هى التى لم تر للعبد فيما ينسب إليه من الطاعة والمعصية فعلا البتة ؛ فأبطلت الشفاعة لهما ، وجعلت للمذهب الأوسط بينهما ، وهو الذى يحقق للعبد فعلا ، ولله تقديرا ، ومن العبد تحركا بخير أو شر ، ومن الله خلقه.
وذلك على المعقول مما عليه طريق العدل والحق بين التفريط والتقصير.
__________________
ـ ثابت وتفقه به زفر والقاضى أبو يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهم ، وحدث عنه وكيع ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وتوفى سنة خمسين ومائة وقيل سنة ثلاث وخمسين ومائة والأول أصح ، ينظر : طبقات الفقهاء للشيرازى (ص ٦٧) ، غاية النهاية (٢ / ٣٤٢) ، تاريخ بغداد (١٣ / ٣٢٣) ، تاريخ الخميس (٢ / ٣٦٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (١٠ / ١٠٧) ، تذكرة الحفاظ (١ / ١٥١) ، النجوم الزاهرة (٢ / ١٢) ، تاريخ الأدب العربى (٣ / ٢٣٥) ، وفيات الأعيان (٥ / ٤٨).
(١) أخرجه عبد بن حميد (٥٧٩) والترمذى (٤ / ٢٥) كتاب الولاء والهبة ، باب ما جاء فى القدرية (٢١٤٩) وابن ماجه (١ / ٨٦) فى المقدمة (٦٢). وابن أبى عاصم (٩٤٦) عن ابن عباس ، ولفظه : «صنفان من أمتى لا تنالهما شفاعتى : المرجئة والقدرية».
(٢) هم المغالون فى إثبات القدرة للإنسان وأنه لا يحتاج إلى معونة إلهية فى أعماله ، وهذا مذهب قريب من مذهب المعتزلة كما لا يخفى ، وزعيم هذا المذهب النظام من شيوخ المعتزلة ، وأول من قال بالقدر بهذا المعنى معبد الجهنى وكان يجالس الحسن البصرى وتبعه أهل البصرة فعذبه الحجاج وصلبه سنة ٨٠ ه بأمر عبد الملك بن مروان. ينظر الفرق الإسلامية ص ٥٧.
(٣) المرجئة : اسم فرقة من كبار الفرق الإسلامية ؛ لقبوا به لأنهم يرجئون العمل عن النية ، أى : يؤخرونه فى الرتبة عنها وعن الاعتقاد ، من : أرجأه ، أى : أخره ، ومنه : أَرْجِهْ وَأَخاهُ [الأعراف : ١١١] أى : أمهله وأخره ؛ أو لأنهم يقولون لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة ، فهم يعطون الرجاء ، وعلى هذا ينبغى ألا يهمز لفظ «المرجية» ، وفرقهم خمس : اليونسية ، والعبيدية ، والغسّانية ، والثوبانية ، والثومنية.
ينظر كشاف اصطلاحات الفنون (٣ / ٣).