وقد يحتمل النهى أن يخرج مخرج المنع ؛ ليكون غيره هو الذى يبدأ به ، ويخص ذلك لغيره ، لا على التحريم ، نحو الأمر بالمعروف ، فيما يمنع الرجل ولده عن التناول مما يريد به غيره ، لا على التحريم.
وإذا احتمل ذا ، ثم بيّن له عظيم ما فى ذلك من البركة من غير أن عاين عدوه ليعلم أن ذلك صنيعه.
وجائز أن يسبق إليه أن ذلك إشارة ملك أو إلهام فى النفس ـ على ما يكون لكثير من الأخيار ـ إلا أنه من وحى عدوه ، فدعته نفسه إلى الأكل ، فيكون كالناسى والجاهل بحقيقة وجه النهى ، وإن كان تعمد أكله ، ولا قوة إلا بالله.
والأصل فى هذا أن فعله صلىاللهعليهوسلم إن كان على نسيان العهد ، أو على الذكر له ، فإن الذى أصابه عقوبة.
وإن كان بالذى يكون به المحنة ، فلو لا أنّ الله إن يعاقبه على ما فعله لم يكن ليغيّر عليه نعمة أنعم عليه بعذاب ، وقد قال : إنه لا يغيّر نعمه التى أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وما لا يحتمل العقوبة بالتغيير لم يكن ليفعل بعد وعده ذلك ، مع ما قد اعترفا بالظلم ؛ إذ قالا : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا ...) الآية [الأعراف : ٢٣].
وقد قال الله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١]. وقد كان قال لهما : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأعراف : ١٩]. فكان فيما بلى به وجهان :
أحدهما : أن ذلك لم يزل عنهما اسم الإيمان ، ولا دعيا إليه بعد لفعلهما ذلك.
ثبت أنه لا كلّ ذنب يزيل اسم الإيمان ، وأن الذنوب لا يحقّق فيها الكذب فيما اعتقد ألا يعصى الله فى شىء.
وفى ذلك فساد أهل الخوارج (١) والمعتزلة ، وبيان أن قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ
__________________
(١) الخوارج : كل من خرج على الإمام الحق الذى اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيّا سواء كان الخروج فى أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة فى كل زمان ، والمرجئة صنف آخر تكلموا فى الإيمان والعمل إلا أنهم وافقوا الخوارج فى بعض المسائل التى تتعلق بالإمامة ، والوعيدية داخلة فى الخوارج وهم القائلون بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده فى النار.
وأول من خرج على أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه جماعة ممن كان معه فى حرب صفين وأشدهم خروجا عليه ومروقا من الدين الأشعث بن قيس ومسعود بن فدكى التميمى وزيد بن حصين الطائى حين قالوا القوم يدعوننا إلى كتاب الله وأنت تدعونا إلى السيف حتى قال أنا أعلم بما كتاب الله انفروا إلى بقية الأحزاب انفروا إلى من يقول كذب الله ورسوله وأنتم تقولون ـ