وإن كان الله تعالى يوفق على قدر الجهد ، ويعصم على قدر الرغبة إليه والاعتصام به ، ولا قوة إلا بالله.
وليس بنا حاجة إلى ذكر حكمة الزّلة ، إذا كانت نفسه مجبولة على حبه ، باعثة إلى مثله لو لا نعمة الرب.
كما قال يوسف ـ عليهالسلام ـ : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ...) الآية [يوسف : ٥٣].
وقال : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) [الأنعام : ١٦٤].
ثم اختلف فى ماهية الشجرة :
قيل (١) : بأنها شجرة العنب ، وجعل للشيطان فيها نصيبا بما بلى به أبو البشر وأمهم.
وقيل (٢) : الحنطة فيها جعل غذاء ولده ؛ ليبدل بالراحة الكد ، وبالنعمة البؤس.
وقيل (٣) : شجرة العلم ، إذ بدت لهما سوآتهما فعلما بذلك ما لم يسبق لهما فى ذلك ، وفزعا إلى ما يستران به من الورق (٤).
فالأصل أن هذا نوع ما يعلم بالخبر من عند عالم الغيب ، وليس بنا إلى تعرف حقيقته حاجة ، وإنما علينا معرفة قدر المعصية ؛ فنعتصم بالله عنها ، والطاعة ؛ فنرغب فيها ، وبالله العصمة.
والأصل فيه أن الله تعالى فرق بين دار المحنة ودار الجزاء ؛ إذ الجمع بينهما يزيل البلوى ، ويكشف الغطاء ؛ فجعل اللذيذ الذى لا راحة فيه ، والمؤلم الذى لا تنغيص فيه ـ جزاء ، والتردد بينهما محنة ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله تعالى : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ).
أى : تصيران منهم.
وكذلك القول فى إبليس : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أى : صار منهم.
ويحتمل : ممن يكونون كذلك ؛ إذ فى علم الله أنهم يصيرون ممن فى علم الله كذلك ، مع جواز القول بلا تحقيق آخر ؛ كقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] ، لا أنّ ثمّ خالقا غيره.
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) فى أ : الرزق.