ثم اختلف فى الوجه الذى أوصل إبليس إليه الوسوسة :
فقال الحسن : كان آدم ـ عليهالسلام ـ فى السماء وإبليس فى الأرض ، ولكنه أوصل إليه بالسبب الذى جعل الله لذلك.
وقال قوم (١) : كان خاطبه فى رأس الحية.
وقيل : تصور بغير الصورة التى كان عليها عند قوله : (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ...) الآية [طه : ١١٧] فاغتر به ، ولو عرفه لما اغتر به بعد أن حذره الله عنه ، والله أعلم كيف كان ذلك.
وعلى ذلك اختلف فى الوجوه التى يوسوس إلى بنى آدم :
منهم من يقول : يجرى بين الجلد واللحم كما يجرى الدم ، فيقابل وجه بصره بقلبه ؛ فيقذف فيه.
ومنهم من يقول : هو بحيث جعلت له قوة إيصال الخطر بباله ، والقذف فى قلبه من الوجه الذى جعل له ، وذلك لا يعلمه البشر.
ومنهم من يقول : إن النفس كأنها سيالة فى الجسد ، دائرة فى جميع الآفاق ، لو لا الجسد الذى يحبسه لكان له الانتشار ، على ما يظهر فى حال النوم عند سكون جسده ، ومن ذلك سلطان فكرة الرجل على من فى أقصى بقاع الأرض حتى يصير له كالمعاين ؛ ففى ذلك يكون قدحه وقذفه.
ونحن نقول ـ وبالله التوفيق ـ : إنا لا نعلم حقيقة كيفية ذلك ، لكن الله تعالى جعل للحق أعلاما ، وكذلك للباطل.
وكل معنى يدعو إلى الباطل ، ويحجب عن الحق ، فهو عمل الشيطان ، يجب التعوذ منه والفزع إليه وإن لم يعلم حقيقة كيفية ذلك ؛ قال الله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [الأعراف : ٢٠٠ ، فصلت : ٣٦].
وقال الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا) [الأعراف : ٢٠١].
وقال الحسن فى قوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [الأعراف : ٢٠] : وقد علم آدم أن الملائكة أفضل ، وقد علم ألا خلود يكون معه ، وقد أخبر أنه يموت ، وقد علم أنه لا يكون ملكا ، وقد خلق من طين والملائكة من
__________________
(١) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس بنحوه (٧٥٠) وابن مسعود (٧٤٣) ووهب بن منبه (٧٤٢) وغيرهم.
وانظر الدر المنثور (١ / ١٠٨ ، ١٠٩).