أى : خلق فعل الاهتداء منه فاهتدى.
وقيل : تاب عليه ، أى : تجاوز.
وقيل : إن التوبة (١) هى الرجوع. رجع آدم عن عصيانه ؛ فرجع هو إلى الغفران
__________________
(١) التوبة فى اللغة : العود والرجوع ، يقال : تاب ، إذا رجع عن ذنبه وأقلع عنه. وإذا أسند فعلها إلى العبد يراد به رجوعه من الزّلّة إلى الندم ، يقال : تاب إلى الله توبة ومتابا : أناب ورجع عن المعصية ، وإذا أسند فعلها إلى الله تعالى يستعمل مع صلة وهى (على) ويراد به رجوع لطفه ونعمته على العبد والمغفرة له ، يقال : تاب الله عليه : غفر له وأنقذه من المعاصى ، قال الله تعالى : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة : ١١٨].
وفى الاصطلاح : التوبة هى : الندم والإقلاع عن المعصية من حيث هى معصية ، لا لأن فيها ضررا لبدنه وماله ، والعزم على عدم العود إليها إذا قدر. وعرفها بعضهم بأنها : الرجوع عن الطريق المعوج إلى الطريق المستقيم. وعرفها الغزالى بأنها : العلم بعظمة الذنوب ، والندم والعزم على الترك فى الحال والاستقبال والتلافى للماضى. وهذه التعريفات وإن اختلفت لفظا هى متحدة معنى. وقد تطلق التوبة على الندم وحده ؛ إذ لا يخلو عن علم أوجبه وأثمره وعن عزم يتبعه ؛ ولهذا قال النبى صلىاللهعليهوسلم : «الندم توبة» ، والندم توجّع القلب وتحزّنه لما فعل وتمنى كونه لم يفعل. قال ابن قيم الجوزية : التوبة فى كلام الله ورسوله كما تتضمن الإقلاع عن الذنب فى الحال والندم عليه فى الماضى والعزم على عدم العود فى المستقبل ـ تتضمن أيضا العزم على فعل المأمور والتزامه ؛ فحقيقة التوبة : الرجوع إلى الله بالتزام فعل ما يجب وترك ما يكره ؛ ولهذا علق ـ سبحانه وتعالى ـ الفلاح المطلق على التوبة حيث قال : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور : ٣١].
وقد ذكر أكثر الفقهاء والمفسرين أن للتوبة أربعة شروط : الإقلاع عن المعصية حالا ، والندم على فعلها فى الماضى ، والعزم عزما جازما ألا يعود إلى مثلها أبدا. وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمى ، فيشترط فيها رد المظالم إلى أهلها أو تحصيل البراءة منهم. وصرحوا كذلك بأن الندم على المعصية يشترط فيه أن يكون لله ؛ ولقبحها شرعا. وهذا معنى قولهم : الندامة على المعصية لكونها معصية ؛ لأن الندامة على المعصية لإضرارها ببدنه ، وإخلالها بعرضه أو ماله ، أو نحو ذلك ـ لا يكون توبة ؛ فلو ندم على شرب الخمر والزنى للصداع ، وخفة العقل ، وزوال المال ، وخدش العرض ـ لا يكون تائبا. والندم لخوف النار أو طمع الجنة يعتبر توبة. واعتبر بعض الفقهاء هذه الشروط أو أكثرها من أركان التوبة فقالوا : التوبة : الندم مع الإقلاع والعزم على عدم العود ، ورد المظالم ، وقال بعضهم : الندم ركن من التوبة ، وهو يستلزم الإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة ، وأما رد المظالم لأهلها فواجب مستقل ليس شرطا فى صحة التوبة. ويؤيد هذا الرأى ما ورد عن النبى صلىاللهعليهوسلم قال : «الندم توبة».
وعلى جميع الاعتبارات لا بد من التنبيه على أن الإقلاع عن الذنب لا يتم إلا برد الحقوق إلى أهلها ، أو باستحلالهم منها فى حالة القدرة ، وهذا كما يلزم فى حقوق العباد يلزم كذلك فى حقوق الله تعالى : كدفع الزكوات ، والكفارات إلى مستحقيها. ورد الحقوق يكون حسب إمكانه : فإن كان المسروق أو المغصوب موجودا رده بعينه ، وإلا يرد المثل إن كانا مثليين والقيمة إن كانا قيميّين ، وإن عجز عن ذلك نوى رده متى قدر عليه ، وتصدق به على الفقراء بنية الضمان له إن وجده. فإن كان عليه فيها حق : فإن كان حقا لآدمى كالقصاص اشترط فى التوبة التمكين من نفسه وبذلها للمستحق ، وإن كان حقا لله تعالى كحد الزنى وشرب الخمر فتوبته بالندم والعزم على عدم العود. ـ