__________________
ـ ذلك تفصيل ، وهى إما أدلة عقلية أو نقلية :
أولا ـ الأدلة العقلية : وإنما قدمت الأدلة العقلية ؛ لأن الفلاسفة يعتبرون بها ، ويعولون عليها ، فوجب أن نثبته من مادة أدلتهم : اعلم ـ وفقك الله ـ أن الأدلة العقلية على حدوث العالم كثيرة جدّا ؛ لأن الآفاق والأنفس مملوءة بدلائل حدوثه ، فإن ادعى أحد قدم العالم ، فلا يدعى قدم نفسه بل ادعى حدوثه بحدوث زمانى بالضرورة ؛ لأنه تولد من أبويه بعد ما لم يكن فى سنة كذا مع أن ذلك المدعى جزء من أجزاء العالم ، وما يكون جزؤه حادثا يكون كله حادثا.
ولو كان العالم قديما لكان باقيا على حاله ، فلا وجود للآخرة ، وذلك كله باطل ، فقدم العالم باطل ، فثبت حدوثه ، ولأن القديم لا يكون محلا للحوادث مع أن العالم محل للحوادث بداهة ، فالعالم بجميع أجزائه حادث ؛ لأن العالم إما أعيان ، وإما أعراض ، وكل منهما حادث ، ودليل ذلك الأخير على تفصيل :
دليل حدوث الأعراض : «أما حدوث الأعراض ؛ فلأن بعضها حادث بالمشاهدة كالحركة بعد السكون ، والسكون بعد الحركة مثلا فى بعض الأجرام ، وبعضها ، وهو ما لم يشاهد حدوثه كسكون بعض الأجرام الثابتة حادثة بالدليل ، وهو أنه يجوز طرآن العدم عليه بوجود ضده ؛ لأن الأجرام كلها متساوية فيجوز على كل منهما ما يجوز على الآخر ، وكل ما يجوز عليه العدم يكون قديما ؛ لأن القديم إذا كان واجبا لذاته لم يجز أن يكون صادرا بالاختيار للزوم الحدوث له حينئذ ، فتعين أن يكون صادرا بطريق التعليل من واجب لذاته ، فيلزم استمرار وجوده ما دامت علته موجودة ، فلا يجوز عليه العدم.
دليل حدوث الجواهر : وأما حدوث الجواهر ؛ فلأنها ملازمة للأعراض الحادثة ؛ لأن من الأعراض الحركة والسكون ، فلو كانت غير ملازمة لأحدهما لارتفعت الحركة والسكون ، وهما ضدان مساويان للنقيضين ، وارتفاع النقيضين أو ما ساواهما باطل ، وملازم الحادث حادث ؛ لأنه لو لم يكن حادثا للزم إما قدم الحادث اللازم له ، وإما انفكاك التلازم بينهما ، وهما باطلان ، فالجواهر حادثة.
قال البزدوى فى أصول الدين : «ثم الدليل على حدوث جميع العالم أنا نشاهد حدوث بعضها ، فإن الثمار كلها تحدث ، وكذلك الحيوانات ، وكذا النبات ، وكذا الألوان ، هذه الأشياء تحدث ، فإذا كان بعضها يحدث يعلم به حدوث ما سواهما إذ كلها أجسام وأعراض وجواهر ، فإن الشىء دال على شكله ، فإن بعض النبات إذا رأيناه يفسد ، قضينا فى شكله بالفساد ؛ ولأن الأجسام لا تخلو عن الأعراض ، فإنها لا تخلو عن الافتراق ، والاجتماع ، والسكون ، والحركة ، والثقل والخفة ... قال : فلو كانت الأعراض قديمة لما تصور بطلانها ؛ لأن القديم واجب الوجود ، فلا يتصور عليه البطلان والعدم ؛ لأنه لو جاز عدمه فى المستقبل من الزمان جاز عدمه فى الماضى من الزمان ، فلا يتصور العدم هذا كما يجب أن الاثنين إذا ضم إلى واحد يكون ثلاثة ، وإذا كان هذا واجبا لا يتصور أن يوجد زمان يضم الاثنين إلى الواحد ، ولا يكون ثلاثة ، فدل أن الأعراض حادثة.
قال الرازى فى المطالب العالية : «الحجة الأولى : وهى الحجة القديمة للمتكلمين أن قالوا : الجسم لا يخلو عن الحوادث ، وما لا يخلو عن الحوادث ، فهو حادث ، فالجسم حادث».
والحجة الثانية : أن تقول : الأجسام قابلة للحوادث ، وكل ما كان قابلا للحوادث ، فإنه لا يخلو عن الحوادث ، وكل ما لا يخلو عن الحوادث ، فهو حادث ، ينتج أن الأجسام حادثة ...».
وقد ساق حججا كثيرة ، فلتطالع هناك لمن شاء التفصيل.
ولأبى محمد بن حزم براهين كثيرة فى إثبات العالم ضمنها كتابه «الفصل فى الملل والأهواء ـ