قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٦٢)
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
قيل : إن اليهود والنصارى وهؤلاء جائز أن يكون لهم تعلق بظاهر هذه الآية ؛ لأنهم كانوا يقولون : إنا آمنا بالله ، وآمنا باليوم الآخر ، فليس علينا خوف ولا حزن.
لكن الجواب لهذا وجوه :
أحدها : أنّه ذكر المؤمنين بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ، وإيمانهم ما ذكر فى آية أخرى وهو قوله : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥].
وهم قد فرقوا بين الرسل ، بقولهم : (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠].
وفرقوا بين الكتب أيضا : آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض.
فهؤلاء الذين ذكرهم ـ عزوجل ـ فى هذه الآية ، هم الذين آمنوا بجميع الرسل ، وآمنوا بجميع الكتب أيضا.
فإذا كان هذا إيمانهم لم يكن عليهم خوف ولا حزن.
والثانى : ذكر الإيمان بالله. والإيمان بالله هو الإيمان بجميع الرسل ، وبجميع الكتب.
ولكنهم لا يؤمنون بالله ، ولا يعرفونه فى الحقيقة.
أو أن يقال : ذكر عمل الصالحات ، والكفر ببعض الرسل ليس من عمل الصالحات ؛ لذلك بطل تعلقهم بهذا ، والله أعلم.
وقيل : ذلك على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : إن الذين هادوا والنصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر ، والذين آمنوا ... الآية.
وللمعتزلة تعلق أيضا بظاهر قوله : (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
وصاحب الكبيرة عليه خوف وحزن ، فلو كان مؤمنا لكان لا خوف عليه ولا حزن ؛ لأنه أخبر أن المؤمن لا خوف عليه ولا حزن ؛ فدل : أنه يخرج من إيمانه إذا ارتكب كبيرة.
فيقال لهم : لم ينف عنهم الخوف ، والحزن فى كل الوقت.
فيحتمل : أن يكون عليه خوف فى وقت ، ولا يكون عليه خوف فى وقت آخر ؛ لأن لكل مؤمن خوف البعث وفزعه حتى الرسل ، بقوله : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا