والثانى : أن ذلك كان آية عظيمة لهم ، لم يكن ذلك لغيرهم.
والثالث : أن أولياء المقتول قد كانوا ـ قبل أن يحيى ـ يدّعون عليهم القتل ، فلو كان لهم حق القبول ، لم يحتج إلى تلك الآية.
والرابع : أن قبول قول الميت أحق من قبول قول الولى ؛ لأن الولىّ ينتفع بقوله ، والميت لا ينتفع بقوله شيئا ، ثم القتيل لا يقبل قوله فى شريعتنا فكذلك الولى ، والله الموفق.
ثم وجه جعل البقرة آية دون غيرها من البهائم وجهان :
أحدهما : ما روى (١) أن رجلا كان بارّا بوالديه ، محسنا إليهما عاطفا عليهما ، وكانت له بقرة على تلك الصفة والشبه ، فأراد الله ـ عزوجل ـ أن يوصل إليه فى الدنيا جزاء ما كان منه بمكان والديه.
والثانى : أنهم كانوا يعبدون البقور والعجاجيل ، وحبّب ذلك إليهم ؛ كقوله : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] ، ثم تابوا وعادوا إلى عبادة الله وطاعته ، فأراد الله أن يمتحنهم بذبح ما حبّب إليهم ؛ ليظهر منهم حقيقة التوبة ، وانقلاع ما كان فى قلوبهم من حب البقور والعجاجيل ، والله أعلم.
وقوله : (لا فارِضٌ).
__________________
ـ هو بدل النفس ، وأصلها : ودية ؛ فهى محذوفة الفاء كعدة من الوعد ، وزنة من الوزن. وكذلك هبة من الوهب. والهاء فى الأصل بدل من فاء الكلمة التى هى الواو ، ثم سمى ذلك المال : (دية) تسمية بالمصدر.
وفى الاصطلاح : عرفها بعض الحنفية بأنها اسم للمال الذى هو بدل النفس. ومثله ما ذكر فى كتب المالكية ، حيث قالوا فى تعريفها : هى مال يجب بقتل آدمى حر عوضا عن دمه. لكن قال فى (تكملة الفتح) : الأظهر فى تفسير الدية ما ذكره صاحب (الغاية) آخرا من أن الدية : اسم لضمان مقدر يجب بمقابلة الآدمى أو طرف منه ، سميت بذلك ؛ لأنها تؤدى عادة وقلما يجرى فيها العفو ؛ لعظم حرمة الآدمى. وهذا ما يؤيده العدوى من فقهاء المالكية حيث قال بعد تعريف الدية : إن ما وجب فى قطع اليد مثلا يقال له : دية حقيقة ؛ إذ قد وقع التعبير به فى كلامهم. أما الشافعية والحنابلة فعمموا تعريف الدية ليشمل ما يجب فى الجناية على النفس وعلى ما دون النفس. قال الشافعية : هى المال الواجب بالجناية على الحر فى نفس أو فيما دونها. وقال الحنابلة : إنها المال المؤدّى إلى مجنىّ عليه ، أو وليه ، أو وارثه بسبب جناية. وتسمى الدية : عقلا أيضا ، وذلك لوجهين : أحدهما : أنها تعقل الدماء أن تراق ، والثانى : أن الدية كانت إذا وجبت وأخذت من الإبل تجمع فتعقل ، ثم تساق إلى ولى الدم.
ينظر : كفاية الطالب مع حاشية العدوى (٣ / ٢٣٧ ، ٢٣٨) ، نهاية المحتاج (٧ / ٢٩٨) ، مغنى المحتاج (٤ / ٥٣) ، مطالب أولى النهى (٦ / ٧٥) ، كشاف القناع (٦ / ٥).
(١) تقدم.