وروى عن ابن عباس (١) ـ رضى الله عنهما ـ قال : كان آصف كاتب سليمان ، وكان يعلم الاسم الأعظم ، وكان يكتب كل شىء بأمر سليمان ، ويدفنه تحت كرسيه ؛ فلما مات سليمان أخرجته الشياطين ، فكتبوا بين كل سطرين سحرا ، وكفرا ، وكذبا ؛ فقالوا : هذا الذى كان يعمل به سليمان ؛ فأكفره جهال الناس وسبوه ، ووقف علماؤهم ، فلم يزل جهالهم يسبونه ؛ حتى أنزل الله ـ عزوجل ـ على محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ...) الآية.
وقال بعضهم (٢) : إن الشياطين ابتدعت كتابا من السحر والأمر العظيم ، ثم أفشته فى الناس وعلمته إياهم ؛ فلما سمع بذلك سليمان تتبع تلك الكتب ، فدفنها تحت كرسيه كراهية أن يتعلمها الناس. فلما قبض نبىّ الله سليمان ـ عليهالسلام ـ عمدت الشياطين إلى تلك الكتب فاستخرجتها من مكانها ، وعلموها الناس ، وأخبروهم أنه علم كان سليمان يكتمه ، ويستأثره ؛ فعذر الله نبيّه سليمان ، وبرأه من ذلك على لسان نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ...)(٣) الآية.
وقيل أيضا (٤) : لما مات سليمان ـ عليهالسلام ـ وقع فى الناس أوصاب وأوجاع ؛ فقال الناس : لو كان سليمان ـ عليهالسلام ـ حيّا لكان عنده من هذا فرج ، فظهرت الشياطين لهم فقالوا : نحن ندلكم على ما كان يعمل به سليمان ـ عليهالسلام ـ فكتبوا
__________________
(١) أخرجه النسائى وابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ١٨٢).
(٢) قاله الربيع ، أخرجه ابن جرير عنه (١٦٥٠). وانظر الدر المنثور (١ / ١٨٣).
(٣) ثبت فى حاشية أ : وقيل : معنى السحر : الإزالة وصرف الشىء عن وجهه ، تقول العرب : ما سحرك عن كذا ، أى : ما صرفك عنه؟ فكأن الساحر لما أرى الباطل فى صورة الحق فقد سحر الشىء عن وجهه ، أى : صرفه. هذا أصله من حيث اللغة.
وأما حقيقة فقد قيل : إنه عبارة عن التمويه والتخييل ، ومذهب أهل السنة أن له وجودا أو حقيقة ، والعمل به كفر ، وذلك إذا اعتقد أن الكواكب هى المؤثرة فى قلب الأعيان ، وروى عن الشافعى : يخيّل ، ويمرض ، وقد يقتل ، حتى أوجب القصاص على من قتل.
وقيل : إن السحر يؤثر فى قلب الأعيان : فيجعل الإنسان على صورة حمار ، والحمار على صورة الكلب ، وقد يطير الساحر فى الهواء. وهذا القول ضعيف عند أهل السنة ؛ لأنهم قالوا : إن الله ـ تعالى ـ هو الخالق الفاعل لهذه الأشياء عند عمل الساحر ، وهو الفاعل لها المؤثر فيها.
والأصح : أن السحر تخييل الخبل : فساد الأعضاء والفلج.
قاموس. ويؤثر فى الأبدان بالأمراض والجنون والموت ، ويدل على ذلك أن للكلام تأثيرا فى الطبائع ؛ فقد يسمع الإنسان ما يكره فيغمّ ، وقد مات قوم بكلام سمعوه ؛ فالسحر بمنزلة العلل فى الأبدان. لباب ابن مازن.
(٤) ذكره السيوطى فى الدر (١ / ١٨٣) وعزاه لسعيد بن منصور عن خصيف بنحوه.