المبحث الأول
عناصر السكان في الدولة العباسية في عصر الماتريدي
تنوع سكان الدولة العباسية تنوعا كبيرا ، واختلفت عناصرهم وطبقاتهم أشد ما يكون الاختلاف ، وانصهرت جميعها في بوتقة المجتمع العربي الإسلامي في العصر العباسي. وهذه العناصر هي :
١ ـ العنصر العربي :
وقد أفاضت الدولة الأموية على العرب تميزا في المكانة الاجتماعية والاقتصادية ، حيث آثرتهم بالمناصب السياسية وقصرتها عليهم ، ونظرت بعين الازدراء للعناصر الأخرى ، وحرمتها من المشاركة السياسية الفاعلة.
أما الدولة العباسية فقامت على أكتاف الموالي من الفرس ، وبرزت إلى الوجود بفضل مناصرتهم وتأييدهم ، فلا غرو أن قدمهم العباسيون وآثروهم بالمناصب وأجروا عليهم الأعطيات السخية ، وفي المقابل تأخر العرب وصارت منزلتهم دون منزلة الفرس بكثير ، وحسبك دليلا على صحة ذلك أن المعتصم «٢١٨ ـ ٢٢٥ ه» أخرج العرب من ديوان العطاء.
ولقد عبر الجاحظ عن هذه الحالة في عبارة موجزة فقال :
«دولة بني العباس أعجمية خراسانية ، ودولة بني مروان عربية أعرابية».
٢ ـ العنصر الفارسي :
وقد أشرنا قبل قليل إلى تميز مكانة الفرس لدى الخلفاء العباسيين ، فأسندوا إليهم المناصب الهامة ، واعتمدوا عليهم اعتمادا كبيرا في تصريف شئون دولتهم.
وتخبرنا المصادر التاريخية أن أول من استعملهم هو الخليفة أبو جعفر المنصور ، فاستن بسنته في استعمالهم الخلفاء العباسيون من بعده حتى بلغ نفوذهم ذروته في عهد هارون الرشيد ، فكان مدبر أمر دولته آل برمك وأصولهم ساسانية.
وكذلك انتصر المأمون للفرس وأدناهم إليه واعتمد عليهم في حرب أخيه الأمين ، فلما انتصر على أخيه وآل أمر الملك إليه بفضل نصرة الفرس له قربهم أكثر ، فازدادوا نفوذا وتدخلا في شئون الخلافة العباسية.