مِنْ رَبِّكُمْ).
(ما يَوَدُّ) أى : ما يريد وما يتمنى (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) اليهود والنصارى (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) ما يود هؤلاء (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
يحتمل وجهين :
أحدهما : أنهم كانوا يهوون ويحبون أن يبعث الرسول من أولاد إسرائيل وهم كانوا من نسله. فلما بعث من أولاد إسماعيل ـ عليهالسلام ـ على خلاف ما أحبوا وهووا ، لم تطب أنفسهم بذلك ، بل كرهت ، وأبت أشدّ الإباء والكراهية.
والثانى : لم يحبّوا ذلك ؛ لما كانت تذهب منافعهم التى كانت لهم ، والرئاسة بخروجه صلىاللهعليهوسلم ، والله أعلم.
وقوله : (مِنْ خَيْرٍ).
قيل (١) : الخير ؛ النبوة.
وقيل : الخير ؛ الإسلام.
وقيل : الخير ؛ الرسول هاهنا ، والله أعلم.
وقوله : (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
تنقض على المعتزلة قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن على الله أن يعطى لكلّ الأصلح فى الدين ، فى كل وقت ، وكل زمان.
فلو كان عليه ذلك لم يكن للاختصاص معنى ، ولا وجه.
والثانى : قال : (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) والمفضل عند الخلق هو الذى يعطى ويبذل ما ليس عليه ، لا ما عليه ؛ لأن من عليه شىء فأعطاه ، أو قضى ما عليه من الدّين ، لا يوصف بالإفضال ؛ فدل أنه استوجب ذلك الاختصاص ، وذلك الفضل ، لما لم يكن عليه ذلك ، ولو كان عليه لكان يقول : ذو العدل ، لا ذو الفضل ، وبالله التوفيق.
قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ
__________________
(١) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ١٠٣).