عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(١١٠)
وقوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها).
قال بعض أهل الكلام (١) : (ما نَنْسَخْ) من اللوح المحفوظ (أَوْ نُنْسِها) : ندعها فى اللوح.
وقيل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) أى نرفع بآية أخرى أو نتركها فى الأخرى.
وقيل (٢) : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) فنرفع حكمها ، والعمل بها ، (أَوْ نُنْسِها) أى : نترك قراءتها وتلاوتها.
فيجوز رفع عينها ، ويجوز رفع حكمها وإبقاء عينها ؛ لأوجه :
أحدها : ظهور المنسوخ ؛ فبطل قول من أنكر النسخ ؛ إذ وجد. ومن أنكر ذلك فإنما أنكر لجهل بالمنسوخ ؛ لأن النسخ بيان الحكم إلى وقت ، ليس على البداء ، على ما قالت اليهود.
والثانى : أن للتلاوة فيها فضلا ـ كما للعمل ـ فيجوز رفع فضل العمل ، وبقاء فضل التلاوة.
والثالث : على جعل الأول فى حالة الاضطرار ، والثانى فى وقت السعة ، كقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣].
ثم يجوز أن يرفع عينها فينسى ذكرها ، كما روى عن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : «كنا نعدل سورة الأحزاب بسورة البقرة ، حتى رفع (٣) منها آيات ، منها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» (٤).
وأما قوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها).
فاختلف فيه : قيل : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) أى : أخفّ وأهون على الأبدان ؛ كقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) [البقرة : ١٨٤] ، إن الأمر بالصوم كان لوقت دون وقت ؛ إذ رجع الحكم عند الطاقة إلى غيره. وكذا ما كان من الحكم فى تحريم الأكل عند النوم والجماع ، وكذا
__________________
(١) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٣).
(٢) انظر تفسير البغوى (١ / ١٠٣ ـ ١٠٤).
(٣) فى أ : يرفع.
(٤) أخرجه ابن حبان (٤٤٢٨ ، ٤٤٢٩) عن أبى بن كعب بنحوه ، وأصله فى الصحيحين من حديث عمر ابن الخطاب.