تحريم الميتة : لو لم يرد فيهما الإباحة والحل عند الضرورة لكنّا نعرفه بالحرمة ، وذلك أخف وأهون ، والله أعلم.
وقيل : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) فى الثواب فى العاقبة.
وقيل (١) : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) فى المنفعة (أَوْ مِثْلِها) فى المنفعة.
وقيل : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) وهو أن يظهر لكم به الخير فى حق الاتباع. والمثل : فى حق الأمر ؛ فيشترك أصحاب المنكرين للنسخ فى حق الائتمار بالمثل ، ويفضلونهم بظهور الأخير.
وهو كالصلاة إلى بيت المقدس ؛ كان لهم مثل ما لليهود فى حق الائتمار ما كان ظهر لهم الأخير فى وقت ظهور الأمر ، وأبهم الخير. وظهر عنده فيمن أبى : أن اتباعه لم يكن لأجل حق المتابعة ، بل لما كان عنده الحجة.
فأما من جعله خيرا على البدل فاستدل بها الآخر رخصة وإباحة ، والإباحة ورودها للتخفيف.
ومن استدل على أن النسخ ـ أبدا ـ يرد على ما هو أغلظ ، عورض بقوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) [النساء : ١٥] ، فأبدل بعقوبة أشد من الأول ـ وهو الرجم ـ بقوله : «خذوا عنى. خذوا عنى».
ويحتمل قوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) وجها آخر : وهو آية والآيات هى الحجج ؛ فيكون معناه : ما نرفع من حجة فننفيها عن الأبصار ، إلا نأت بخير منها يعنى أقوى منها فى إلزام الحجة ، أو مثلها.
ولا شك أن ما يعترض هو أقوى حالة الاعتراض فى لزوم الحجة على ما غاب عن الأبصار ؛ فيكون قوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) على هذا الوزن ، أى : نأت بحجة هى أقوى وأكثر من الأولى ، أو مثلها فى القوة.
فإن قيل : ما الحكمة فى النسخ؟ وما وجهه؟
قيل : محنة يمتحن بها الخلق ، ولله أن يمتحن خلقه بما يشاء ، فى أى وقت شاء : يأمر بأمر فى وقت ، ثم ينهى عن ذلك ، ويأمر بآخر.
وليس فى ذلك خروج عن الحكمة ، ولا كان ذلك منه لبداء يبدو له ، بل لم يزل عالما بما كان ويكون ، حكيما يحكم بالحق والعدل ؛ فنعوذ بالله من السرف فى القول.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (١٧٧٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ١٩٧).