ثم كانت الصلاة تجمع استعمال جميع الجوارح فيما لله فيها القيام بها شكرا له ، مع ما فيها توقف أحوال نفسه بالاختيار بما هى عليه بالاضطراب والخلقة والقلب بالنية ، والخوف والرجاء ، وإحضار الذهن والعقل بالتعظيم والتبجيل ؛ فيكون كل شىء منه فى شكره ؛ لما له فيه من سبوغ النعمة ، والله أعلم.
وكذلك بالأموال فضلوا ـ فى هذه الدنيا ـ واستمتعوا بلذيذ العيش ؛ فأمروا بالإخراج لله ، مع ما إذ سخرت هذه الأرض ـ بما فيها ـ لجميع البشر ، ألزم من ذلك صلة من لم يملك ، ليستووا فى الاستمتاع بالتسخير لهم ، من الوجه الذى علم الله لهم فى ذلك صلاح الدارين ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ).
الآية تخرج على خلاف قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن من ارتكب كبيرة ثم أقام الصلاة وآتى الزكاة ، وجاهد فى سبيل الله ، وحج بيت الله الحرام ، فقدم خيرات كثيرة ـ فإنه لا يجد مما قدم شيئا ، ولكن يجد ما قدم من شر.
وذلك ليس من فعل الكريم والجواد ، ولا كذلك وصف الله نفسه ، بل وصف نفسه على خلاف ما وصفوا هم ، فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) [الأحقاف : ١٦].
وهم يقولون : لا يتقبل عنهم ما قدموا من الخيرات ، ولا يتجاوز عن سيئاتهم ، وذلك سرف فى القول ؛ فنعوذ بالله من السرف فى القول ، والحكم على الله ، وبالله العصمة والتوفيق.
وقوله : (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
بما قدمتم من الخير والشر ؛ تنبيه منه عزوجل ليكونوا على حذر من الشر ، وترغيب منه لهم بالخيرات. والله أعلم.
قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١١٣)
وقوله : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).