الظالمون علوّا كبيرا.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ)(١١٥)
وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ).
يقول : لا أحد أظلم لنفسه ، ولا أوضع لها.
وقوله : (مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).
اختلف فيه :
قيل : مساجد الله : الأرض كلها ؛ لأن الأرض كلها مساجد الله ؛ كقوله صلىاللهعليهوسلم : «جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا» (١) منع أهل الكفر أهل الإسلام أن يذكروا فيها اسم الله ، وأن يظهروا فيها دينه.
وقوله : (وَسَعى فِي خَرابِها).
وهو كقوله : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) [المائدة : ٣٣].
ويخرج قوله : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ).
أى : لا يدخلون البلدان والأمصار إلا بالخوف ، أو بالعهد ؛ كقوله : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١١٢] وهو العهد.
ويحتمل قوله : (ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) : ما كان ينبغى لهم ـ بما عليهم من حق الله ، وتعظيمه ـ أن يدخلوا المساجد إلا خائفين وجلين ؛ لما كانت هى بقاع اتخذت لعبادة الله ، ونسبت إليه تعظيما لها ؛ فدخلوا مخرّبين لها ، مانعين أهلها من عبادة الله فيها.
وقيل (٢) : مساجد الله : المسجد الحرام.
وذلك أنهم حالوا بينها وبين دخول محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فيها ، حتى رجعوا من عامهم ذلك. ثم فتح الله ـ عزوجل ـ مكة لهم ، فصار لا يدخلها مشرك إلا خائفا ؛ كقوله ـ عز
__________________
(١) أخرجه مسلم (١ / ٣٧١) كتاب المساجد (٥ / ٥٢٣) ، وأحمد (٢ / ٤١١) ، والترمذى (٣ / ٢١٢) ، أبواب السير ، باب ما جاء فى الغنيمة (١٥٥٣) ، وابن ماجه (١ / ٤٥٤) كتاب الطهارة وسننها ، أبواب التيمم (٥٦٧) ، عن أبى هريرة.
وله طريق آخر عند البخارى (١٤ / ١٧١ ، ١٧٢) كتاب الاعتصام ، باب قول النبى صلىاللهعليهوسلم «بعثت بجوامع الكلم» (٧٢٧٣) وليس فيه موضع الشاهد.
(٢) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (١٨٢٨) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٢٠٤).