__________________
ـ وكذا قالوا : «لو كان الله تعالى هو الخالق لفعل العباد لما استحقوا الذم على القبيح والمدح على الحسن ، وذلك لأن المدح والذم على فعل الغير لا يصح ، ولا فرق بين من اعتقد حسن ذلك وبين من اعتقد ذم الجماد والأعراض ومدحها لما يقع منه تعالى من الأفعال».
واستدلوا من القرآن بقوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ...) [الملك : ٣] ووجه استدلالهم من الآية أنها تنفى التفاوت عن خلقه سبحانه ، وهذا من أكبر الأدلة على أنه سبحانه لم يخلق أفعال العباد لما فيها من تفاوت كبير.
الثاني : مذهب الجبرية : وهو نفى القدرة والاستطاعة عن الإنسان فى سائر أعماله ، وأن الأفعال مخلوقة لله تعالى فينا لا تعلق لنا بها أصلا ، لا اكتسابا ولا إحداثا وإنما نحن كالظرف لها.
وكأن مذهب الجبرية يأتى فى مقابل مذهب المعتزلة ، فهما على النقيض.
الثالث : مذهب الأشاعرة : ويرى الأشاعرة أن أفعال العباد واقعة بقدرة الله تعالى وحدها وليس للعبد فيها أدنى تأثير ، فهى مخلوقة لله من حيث الإبداع والإحداث وللعبد فيها الكسب.
ويفسرون حدوث الأفعال من العبد بأن الله سبحانه وتعالى قد أجرى عادته بأن يوجد فى العبد قدرة واختيارا ، فإذا لم يوجد مانع أوجد فعله المقدور مقرونا بهذه القدرة والاختيار وهم هنا يثبتون للعبد فى أفعاله الكسب ، ومعناه كما يقول الإمام أبو الحسن الأشعرى : «الفعل القائم بمحل قدرة العبد».
فالأشعرى يرى أن الإنسان يقدره الله على إحداث الفعل عند مباشرته ، فيقع الفعل عند هذه القدرة لا بها. ومن هنا يرى أنه ليس لهذه القدرة تأثير فى إيجاد الفعل.
ويختلف بعض الأشاعرة مع الأشعرى فى مفهوم الكسب فذهب الباقلانى : إلى أن أفعال العباد من حيث هى أفعال واقعة بقدرة الله ، ومن حيث هى صفات واقعه بقدرة العباد ، فمثلا : الصلاة من حيث هى فعل واقعة بقدرة الله ، ومن حيث تخصيصها واقعة بقدرة العبد.
وعلى ذلك فالباقلانى يتفق مع الأشعرى فى أن الفعل واقع بقدرة الله من حيث هو فعل ويختلف معه فى القول بأنه واقع بقدرة العبد من حيث هو صفة.
وذهب الجوينى : إلى القول بأن لقدرة العبد تأثيرا فى وجود المقدور ، لكن ليس باستقلال ، بل إن هذه القدرة تستند إلى سبب ، وهذا السبب يستند إلى سبب ، وهكذا حتى ينتهى الأمر إلى مسبب الأسباب.
فهو يختلف عن إمام المذهب ، حيث جعل لقدرة العبد أثرا فى إحداث الفعل.
وذهب الأسفرائيني : إلى أن فعل العبد واقع بقدرة الله وقدرة العبد معا.
ومع هذا الاختلاف بين الأشاعرة فإنه يبقى اتفاقهم على أن الفعل واقع بقدرة الله وللعبد فيه الكسب.
والأشاعرة بهذا يقفون موقفا وسطا بين المعتزلة والجبرية.
أدلتهم : ساق الأشاعرة الكثير من الأدلة النقلية والعقلية :
أولا : الأدلة النقلية :
استدلوا من النقل بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية :
فمن القرآن الكريم :
ـ قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠٢].
ووجه استدلالهم من الآية أنها تدل على أن الله ـ تعالى ـ خالق كل شىء ، ولما كانت أفعال العباد أشياء فوجب كونه خالقا لها. ـ