وقد قرئ (١) : «فأمتعه» على معنى دعاء إبراهيم ـ عليهالسلام ـ «ومن كفر فأمتعه» بالجزم.
فإن قيل : لم لا كان تفاضل الامتحان بتفاضل النعم.
وإنما يعقل فضل الامتحان بفضل العقل ، ويعلم أن المؤمن هو المفضّل بالعقل.
كيف لا وقع فضل ما به يمتحن ـ وهو النعم ـ لأن العقل الذى به يدرك الحق واحد ، لا تفاضل فيه لأحد.
ثم العقل الذى به يمتحن واحد ؛ فهما متساويان ـ فيما به درك الحق ـ إلا أن أحدهما يدركه فيتبعه ، والآخر يدركه فيعانده. فهو ـ من حيث معرفته ـ ذو عقل ، أعرض عنه ؛ فيسمى معاندا ، إذ من لا عقل له يسمى مجنونا.
وقوله : (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ).
ذكر الاضطرار ، وهو كقوله : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) [الدخان : ٤٧] وهو السوق ، وكقوله : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ) [مريم : ٨٦] إنهم يساقون إليها ، ويدعّون ، لا أنهم يأتونها طوعا واختيارا.
وقوله : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
أى : بئس ما صاروا إليه.
وقوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا).
أمرا برفع البيت وببنائه ؛ ففعلا ، ثم سألا ربهما : أن يتقبل منهما. فهكذا الواجب على كل مأمور بعبادة ، أو قربة ـ إذا فرغ منها ، وأداها ـ أن يتضرع إلى الله ، ويبتهل ؛ ليقبل منه ، وألا يرد عليه ؛ ليضيع سعيه.
وقوله : (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) لدعائهم. (الْعَلِيمُ) بما نووا وأضمروا.
وقوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ).
والإسلام قد ذكرنا فيما تقدم أنه يتوجه إلى وجوه :
أحدها : هو الخضوع له والتذلل.
والثانى : هو الإخلاص.
ثم اختلف أهل الكلام فى الإسلام :
فقال بعضهم : إنه يتجدد فى كل وقت ؛ لذلك سألوا ذلك ، وهو كقوله ـ تعالى ـ
__________________
(١) ينظر : اللباب (٢ / ٤٥٧) ، والسبعة (١٧٠) ، وإتحاف الفضلاء (١ / ٤١٧) ، والعنوان (٧١) ، وشرح الطيبة (٤ / ٦٨).