أن الأمر به قد سبق.
والثالث : قوله ـ فى نفس الحج ـ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧].
ثم لا يحتمل : لزوم الكلفة بالخروج قبل وجوب الحج ؛ لما لم يأمر بفعل ما له إيجاب الحقوق والفرائض.
لكنها أوجبت شكرا لما أنعم عليه ؛ فدل أن الحج كان واجبا قبل الخروج ، وقد تأخر الإمكان ؛ فمثله البيان ، والله أعلم.
واحتج بقوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) [البقرة : ٤٣ ، ٨٣ ، ١١٠ ، النساء : ٧٧ ، ١٠٣] : أن ظاهره يوجب خضوعا ، لزم به ما أداه السمع على تأخر ما بينه (١) ، وكذلك الزكاة ، وكذا ظاهر قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧].
واحتج أيضا بقول القائل وسؤاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أوقات الصلاة ففعله فى يومين ، وقد كان يمكنه تعليمه وقت السؤال ، لكنه أخر ؛ فدل أن البيان يجوز تأخره عن وقت قرع الخطاب السمع.
ثم فى تأخير البيان محنة المخاطب به ، أمر فى تعلم العلم وطلب مراد ما تضمن الخطاب ، والله أعلم.
وذكر فى أمر الحج ـ عند كل نسك من المناسك ـ معانى لها ، لكنها ذكرت لأحوال كانت فى شأن آدم وأمر إبراهيم ، وأمر محمد ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وقد كان الحج قبلهم.
وقد ذكر فى أمر الرّمل (٢) أنه كان من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن معه ؛ ليعلم به قوتهم ؛ حتى
__________________
(١) فى أ : ماهيته.
(٢) الرمل : هو إسراع المشى مع تقارب الخطا وهز الكتفين من غير وثب. والرمل سنة فى كل طواف بعده سعى ، فعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : «قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب ، فقال المشركون : إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى ، ولقوا منها شدة ، فجلسوا مما يلى الحجر ، وأمرهم النبى صلىاللهعليهوسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ، ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جلدهم ، فقال المشركون : هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟! هؤلاء أجلد من كذا وكذا». لكن الرمل ظل سنة فى الأشواط الثلاثة الأولى بتمامها ؛ فقد فعله النبى صلىاللهعليهوسلم فى حجته ، وكانت بعد فتح مكة ودخول الناس فى دين الله أفواجا ، كما فى حديث جابر : «فرمل ثلاثا ومشى أربعا». وسار على ذلك الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعده صلىاللهعليهوسلم. ثم الرمل كالاضطباع سنة فى حق الرجال ، أما النساء فلا يسنّ لهن رمل ولا اضطباع. واستثنى الحنابلة من سنية الرمل أهل مكة ومن أحرم منها أيضا ، فلا يسن لهم الرمل عندهم.
ينظر : مختصر الخرقى بشرح المغنى (٣ / ٣٧٦) ، الفروع (٣ / ٤٩٩).