وقوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).
قيل (١) : أخلص.
ويحتمل : أن يكون أمرا بابتداء إسلام ، على ما ذكرنا من تجدده فى كل وقت يهمد (٢).
ثم يحتمل : أن يكون وحيا أوحى إليه ، أن قل كذا ، فقال به. فإن كان وحيا فهو على أن يسلم نفسه لله.
ويحتمل : أن يكون إسلام القلب ـ بتغاضى (٣) الخلقة بالإسلام ـ فإن كان على هذا ؛ فهو على الإسلام دون توحيده.
ويحتمل : أن يكون إسلام خلقة ؛ كقوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ، بالخلقة.
وعلى ذلك يخرج قوله لإبراهيم : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) [الحج : ٢٧] ؛ فدعاهم ، فأجابوه فى أصلاب آبائهم إجابة الخلقة وقت كونهم.
وقيل : يحتمل : أن يكون أمر بابتداء الإسلام ، كقوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً ...) [الأنعام : ٧٦] إلى آخره. ثم قال : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) [الأنعام : ٨٩] يكون جواب قوله : (أَسْلِمْ) والله أعلم.
وقوله : (وَوَصَّى بِها).
يعنى بالملة. والملة تحتمل ما ذكرنا.
وقوله : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
وهو الإسلام ؛ ردّا على قول أولئك الكفرة : إن إبراهيم كان على دينهم ؛ لأن اليهود زعمت أنه كان على دينهم يهوديّا. وقالت النصارى : بل كان على النصرانية. وعلى ذلك قالوا لغيرهم : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [البقرة : ١٣٥].
فلما ادّعى كلّ واحد من الفريقين : أنه كان على دينهم ، أكذبهم الله ـ عزوجل ـ فى قولهم ، ورد عليهم فى ذلك فقال : قل يا محمد : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) [آل عمران : ٦٧] ؛ فعلى ذلك قوله : (اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
__________________
(١) قاله ابن جرير (١ / ٦١٠) والبغوى (١ / ١١٨).
(٢) فى أ : يهمه.
(٣) فى أ : بتقاضى.