أخبر ـ عزوجل ـ أن دينه كان دين الإسلام ، وهو الذى اصطفاه له ، لا الدين الذى اختاروا هم من اليهودية والنصرانية ؛ لقوله تعالى : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) (٢٥) [النجم] أى ليس له.
وقوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً).
يقول : أكنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت؟! أى : ما كنتم شهداء حين حضر يعقوب الموت.
قيل (١) : ويحتمل : أن اليهود قالوا للنبى صلىاللهعليهوسلم : ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه بدين اليهودية؟ فأنزل الله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) أى : أكنتم شهداء وصية يعقوب بنيه؟! أى : لم تشهدوا وصيته ، فكيف قلتم ذلك؟!
ثم أخبر ـ عزوجل ـ عن وصية يعقوب بنيه فقال :
(ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ ...) الآية.
وقوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
يعنى : مخلصين بالتوحيد ، وبجميع الكتب والرسل ، ليس كاليهود والنصارى يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، ثم يدعون : أن ذلك دين إبراهيم ، ودين بنيه.
ثم فى الآية دلالة رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أخبر عن الأخبار التى قالوا ، من غير نظر منه فى كتبهم ، ولا سماع منهم ، ولا تعلم ، دل : أنه بالله علم ، وعنه أخبر.
وقوله : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).
كان ـ والله أعلم ـ لما ادعوا أن إبراهيم ومن ذكر من الأنبياء كانوا على دينهم ؛ فقال عند ذلك : لا تسألون أنتم عن دينهم وأعمالهم ، ولا هم يسألون عن دينكم وأعمالكم ، بل كلّ يسأل عن دينه وما يعمل به.
قوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥) قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧) صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ)(١٣٨)
__________________
(١) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ١١٨).