وأوصى الخليفة المهدي ابنه وولي عهده موسى الهادي ـ إذا آل إليه أمر الخلافة من بعده ـ بتعقبهم والقضاء عليهم.
واستحدث هارون الرشيد وظيفة جديدة سمى صاحبها ب «صاحب الزنادقة» مهمته امتحان كل من يتهم بالزندقة ومحاكمته إن ثبتت عليه التهمة.
وذكر الطبري والمسعودي أن المأمون بلغه خبر عشرة من الزنادقة في البصرة ، فبعث إليهم ، وامتحنهم واحدا واحدا ، وأظهر لهم صورة ماني ، وأمرهم أن يتفلوا عليها ويبرءوا منها ، فلما أبوا أمر بهم فقتلوا (١).
وثمة نزعة إيمانية صادقة ظهرت كرد فعل لنزعة الإلحاد والزندقة ، حيث كثر العلماء المؤمنون الذين وقفوا حياتهم على خدمة الدين ، والتمسك بآدابه ومبادئه. وفي الحق أن هذه النزعة الإيمانية كانت هي الغالبة على المجتمع العباسي ؛ إذ كان الزنادقة قلة إذا قيسوا بالمؤمنين الأتقياء.
ثالثا : حياة الترف واللهو :
تدفقت الثروة وعم الرخاء في الدولة العباسية ، فانغمس كثير من الخلفاء والأمراء في حياة الترف والمجون ، بل أصبح الترف سمة امتازت بها حياة كثير من الناس في هذا العصر ، وقد تجلت مظاهر الترف واللهو في عدة أمور أبرزها :
أ ـ القصور المنيفة التي شيدت على أحسن طراز ، فقد كانت قصور الأمراء والخلفاء مضرب الأمثال في رونقها وبهائها ، وفخامة بنائها واتساعها ، والحدائق التي تحيط بها.
ب ـ شاع الغناء في هذا العصر ، وكثر المغنون ، حيث حفلت قصور الأمراء بالمغنين من الجواري ، واشتهر من المغنين عدد غير قليل لعل أبرزهم إبراهيم بن إسحاق الموصلي.
وحذا الأمراء والوزراء حذو خلفاء الدولة العباسية في الانغماس في حياة اللهو والترف ، وقد أوجدت هذه الحالة جماعة متطوعة تنكر على الفساق ببغداد ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وأثمرت حياة اللهو كذلك حياة مقابلة لها هي حياة الزهد التي سلكها بعض الناس (٢).
* * *
__________________
(١) انظر : تاريخ الأمم والملوك للطبري (١٠ / ٤٤) ، ومروج الذهب (٢ / ٢٤٩).
(٢) ضحى الإسلام (١ / ١٠١) ، وتاريخ الإسلام السياسي (٢ / ٣٤٠).