الفصل السادس
الحياة الفكرية والعلمية في عصر الماتريدي
كان الإسلام محور الحركة العلمية وأساسها الأول حتى أواخر العصر الأموي ، فالعلوم التي يتدارسها المسلمون ويعنون بتدوينها وجمع مسائلها علوم دينية مادتها مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وغايتها خدمة الإسلام ودعم أصوله وأركانه.
فمبنى الفقه على الكتاب والسنة الصحيحة ، ومدار الحديث على أقوال النبي صلىاللهعليهوسلم وأفعاله المأثورة عنه ، وأساس التاريخ سيرة النبي وغزواته.
أما العلوم الدنيوية : كالطب والكيمياء فحظ المسلمين من الاشتغال بها قليل ، واهتمامهم بها ضعيف ، وأكثر من برعوا فيها واهتموا بها من غير المسلمين.
أما الدولة العباسية فمعلوم لكل أحد أن الحركة العلمية نشطت في عصرها نشاطا كبيرا ، وتنازعت العلوم الدينية والعلوم العقلية اهتمام المسلمين وعنايتهم ، فكثر التدوين والتصنيف ورتبت مسائل العلوم ، وميّز كل علم عن غيره واستقل بموضوعه ومنهجه ، واستحدثت علوم جديدة كعلم التفسير والحديث وأصول الفقه ، وعني المسلمون بترجمة العلوم العقلية كالفلسفة والمنطق والرياضيات والطبيعة والكيمياء عن اليونان والهند.
فلا غرو أن أثرى هذا النشاط الحركة العلمية في عصر الدولة العباسية ـ عصر الماتريدي ـ ثراء عظيما ، حتى عد هذا العصر بحق العصر الذهبي للحضارة الإسلامية القائمة على العلم الديني والدنيوي على سواء.
ويمكننا أن نتلمّس ملامح الحركة العلمية ونقف على آثارها ونتائجها ببيان أهم العلوم التي دونت في القرنين الثالث والرابع الهجريين.
العلوم المدونة في القرنين الثالث والرابع الهجريين
وعني المسلمون منذ مطلع القرن الثالث الهجري بتدوين العلوم وجمع مسائلها وترتيب أبوابها ، واتسعت دائرة اهتمامهم العلمي لتشمل إلى جانب العلوم الدينية العلوم العقلية ، وفيما يلي نعرض بإيجاز لأبرز هذه العلوم :
١ ـ علم القراءات :
القراءات : جمع قراءة ، وهي في اللغة : مصدر سماعي لقرأ ، وفي الاصطلاح : مذهب