فيه الوعد له بالعصمة فى حادث الوقت وما يتلوه.
ويحتمل قوله : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) ، أى وما لك أن تتابعهم فى القبلة ، وهذا التأويل كأنه أقرب لما خرج آخر الآية على الوعيد له بقوة.
وقوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ).
وقد ذكرنا أن العصمة لا تمنع النهى.
ويحتمل : أن يكون المراد من الخطاب غيره.
وقوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ).
لأن الأولاد إنما تعرف بالأعلام وأسباب تتقدم ، فعلى ذلك معرفة الرسل ، عليهمالسلام ، إنما تكون بالدلائل والأعلام ، وقد كانت تلك الدلائل والأسباب فى رسول الله ظاهرة ، لكنهم تعاندوا وتناكروا وكتموا بعد معرفتهم به أنه الحق ، دليله قوله : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
والكتمان أبدا إنما يكون بعد العلم بالشىء ؛ لأن الجاهل بالشىء لا يوصف بالكتمان.
وروى عن عبد الله بن سلام ، أنه قال : أعرفه أكثر مما أعرف ولدى ؛ لأنى لا أدرى ما أحدث النساء بعدى (١).
وفيه الدلالة أن نعته وصفته كانت غير مغيرة يومئذ ، وإنما غيرت بعد حيث أخبر أنهم كتموا ذلك.
وقيل : (لا يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٣] : لا يؤمنون ؛ وهو على ما بينا من نفى بذهاب نفعه ، وجائز أن يكونوا عرفوه بما وجدوه بنعته فى كتبهم ، كما قال الله عزوجل : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف : ١٥٧].
وقوله : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
يحتمل : أن يكون الخطاب له والمراد غيره.
ويحتمل : هو ، وإن كان يعلم أنه لا يمترى ؛ لما ذكرنا فى غير موضع أن العصمة لا
__________________
(١) أخرجه الثعلبى من طريق السدى الصغير عن الكلبى عن ابن عباس عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٢٧١).