وما أكرمهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وما أنعم عليهم من أنواع النعم.
وقوله : (رَسُولاً مِنْكُمْ) : خاطب العرب ، وذكرهم بما أنعم عليهم من بعث الرسول فيهم ومنهم ، وإنزال الكتاب بلسانهم وهم كانوا يتمنون ذلك ، كقوله : (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) [الأنعام : ١٥٧] ، فمنّ عليهم بذلك ، وبه استوجبوا الفضيلة على غيرهم ، وكفى بهم فضلا ، وقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) [فاطر : ٤٢].
وقوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ).
قيل (١) : (فَاذْكُرُونِي) قيل : بالطاعة فى الدنيا ، (أَذْكُرْكُمْ) فى الآخرة بالتجاوز عن سيئاتكم.
وقيل (٢) : اذكرونى فى الرخاء والسعة ، أذكركم فى الضيق والشدة.
وقيل : اذكرونى فى الخلوات ، أذكركم فى ملأ الناس وأذكركم فى ملأ من الملائكة.
ويحتمل : اذكرونى بالشكر بما أنعمت عليكم ، أذكركم بالزيادة عليها. والله أعلم.
وقوله : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) ، أى : وجهوا شكر نعمتى إلىّ ، ولا تشكروا غيرى.
ويحتمل : (وَاشْكُرُوا لِي) : أى وجهوا العبادة إلىّ ، (وَلا تَكْفُرُونِ) : ولا تعبدوا غيرى. والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (١٥٣) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (١٥٤) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (١٥٦) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(١٥٧)
وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
قد ذكرنا تأويل هذه الآية فيما تقدم.
وقوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ).
قيل فيه بوجوه :
قيل : إن العرب كانت تعرف الموتى من انقطع ذكره ، إذا لم يبق له أحد يذكر به من
__________________
(١) قاله سعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣١٨) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٢٧٣).
(٢) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ١٢٨).