الدنيا محمول كله على أسباب ، لا أنها توجب ولكن الله تعالى أجرى أحكامه عليها ، فيكون الخوف والرجاء فى التحقيق من الله تعالى أن يكون جعل ذلك سببا. والله الموفق.
وأيضا : أن يعلم أن المصائب فى الدنيا ليست كلها عقيب الآثام ، بل لله تعالى الابتلاء بالحسنات والسيئات ، أيضا لا يدل على وهن عقد المصائب ، ولا زلة بلى بها. وعلى ذلك أمر الأنبياء والرسل ، عليهمالسلام ، ولكن على وجهين :
أحدهما : أن يكون الله تعالى يريد أن يحمى وليه لذات الدنيا لينالها موفرة فى الآخرة.
والثانى : أن يكون لهم بعده زلات لا يسلم عنها البشر ، فيبتلوا ، فيبعثوا يوم القيامة ولا زلة بقيت مما يجزيهم تلك. ولا قوة إلا بالله. وإنما كذلك جعلت لمحنة.
قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (١٥٨)
قال دل : قوله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ).
دل أن صعودهما من اللازم فى نسكه ، وكذلك صعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصفا وقال : «نبدأ بما بدأ الله» (١) ، وقد قال الله تبارك وتعالى : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) الآية ، ولم يقل : بينهما. فمن لم يصعد الصفا والمروة فلم يطف بهما ، مع ما قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) [المائدة : ٢] ، وفى ترك صعودهما إحلال شعائر الله ، إذ قد بين الله أنهما (من شعائر الله). وما روى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طاف بينهما على ناقته ، ومعلوم أن ناقته لا تصعدهما ، فهو عندنا للعذر فعل ذلك ، وإلا فإنه قد روى عن النبى صلىاللهعليهوسلم : أنه صعدهما واستقبل البيت وقال : نبدأ بما بدأ الله.
دليل ذلك ما روى عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، أنه طاف بينهما على ناقته وبالبيت لعذر به.
ولا يحتمل أيضا أن يكون بغير عذر وهو الملقب بالسعى ؛ لما فيه من فعل السعى ، والراكب لا يسعى.
__________________
(١) طرف من حديث جابر الطويل : أخرجه مسلم (٢ / ٨٨٦) كتاب الحج (١٤٧ / ١٢١٨) ، وأبو داود (٢ / ١٨٢) كتاب الحج ، باب صفة حجة النبى صلىاللهعليهوسلم (١٩٠٥) ، وابن ماجه (٢ / ١٠٢٢) كتاب المناسك ، باب حجة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٣٠٧٤).