ثم دلهم عزوجل أن الذى سخر السحاب بالرياح التى جعلها فى الهواء ، وبما فيها من المنافع التى تقدم ذكرها ، على أن مدبرهما واحد ؛ إذ لو كان التدبير من عند اثنين لأوجب التناقض فى التدبير والصنعة ، إذ يجعل كل منهما على خلاف ما جعله الآخر ، ويتدبر كل منهما لينقض تدبير الآخر.
وفى اتساق التدبير واتقان (١) الصنعة وإحكامها دليل أن إلهكم هو الواحد الذى دعتكم هذه الأشياء إلى الإقرار بوحدانيته ، وألزمتكم العبودية له بما أودع له فى كل هذه المصنوعات من أدلة وحدانيته وآيات ربوبيته ؛ ولهذا قال : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ليعتبروا ما فيها من الأدلة والحجج ؛ إذ من لا يعقل جهة الحكمة فى خلق هذه الأشياء : مم خلقت ، ولما ذا خلقت؟ وما الحكمة فيها؟ يستوى (٢) عليه خلقها وغير خلقها.
ثم فيه دلالة أن ما خلق من السموات والأرض ، والليل والنهار ، والرياح والسحاب ، خلقها ليدلهم على وحدانيته وربوبيته ، وجعلها مسخرة مذللة لهم. وبالله التوفيق.
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ)(١٦٧)
وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ).
قيل فيه بوجوه :
قيل : (يَتَّخِذُ) يعبد (مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً).
وقيل : (يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) فى التسمية. يعنى : يتخذ الجواهر التى تصاغ أو تنحت ونحو ذلك ، مما يتعلق كونهم بصنيعهم ، يسفههم بهذا ، أنهم تركوا عبادة من به قامت لهم كل نعمة ، وسلم لهم كل خير ، وعبدوا ما قد اتخذوه بالمعالجات ولا قوة إلا بالله.
وقيل : (يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) ، أى أشباها فى التسمية ، أو أعدالا فى العبادة ، أو شركاء فى الحقوق كقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا
__________________
(١) فى أ ، ط : واتفاق.
(٢) فى أ : لا يستوى.