وقيل : كل عمل عملوه أرادوا به غير وجه الله ، كان ذلك عليهم حسرة يوم القيامة.
وقيل (١) : أعمالهم التى عملوها فى الدنيا تصير حسرات عليهم حين يرفع الله لهم الجنة ، فينظرون إلى مساكنهم التى كانت لهم ، وبأسمائهم لغيرهم ، وبأسماء غيرهم لهم.
قال : وهذا عندى لا يصح أن يجعل الله لأحد نصيبا فى الجنة ثم يحرمه ، ولكن هذا على أصل الوعد ـ وعد من أطاع الله الجنة ، ومن عصاه النار ـ فهو على أن هؤلاء لو أطاعوا كان لهم نصيبا فى الجنة ، وهؤلاء لو عصوا كان لهم نصيبا فى النار.
أو يكون ذكر النصيب لهؤلاء فى الجنة هو الذى ادعوه لأنفسهم كما قالوا : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] فيحرمون ونورث عنهم ما ذكروا أنه لهم فى الجنة ؛ كما قال الله تعالى : (كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا* وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً) [مريم : ٧٩ ـ ٨٠].
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(١٦٩)
وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)
قيل فيه بوجوه :
قيل (٢) : إنهم كانوا يحرمون التناول من أشياء والانتفاع من نحو البحائر ، والسوائب ، والوصائل ، والحوامى ، فيقولون : حرم الانتفاع بها ؛ فأنزل الله تعالى فقال : (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) وانتفعوا بها ؛ فإن الله لم يحرمها عليكم ، كقوله : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [المائدة : ١٠٣].
وقيل : خلق فى الأرض ما هو حلال وما هو حرام ؛ فأباح التناول من الحلال ونهى عن الحرام.
وقيل : إن قوما يحرمون التناول من الرفيع من الطعام والرفيع من الملبوس ، ويتناولون من الدرن والرثة ، فنهوا عن ذلك.
ولا يحتمل أن يراد بالطيبات الحلال منها ، ولكن ما تطيب النفس من التناول ؛ لأن
__________________
(١) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٤٢) ، وانظر تفسير البغوى (١ / ١٣٧).
(٢) قاله ابن جرير بنحوه (٢ / ٨٠) ، والبغوى (١ / ١٣٨).